الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (129)

[ قوله ]( {[4089]} )/ ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ ) [ 128 ] .

يعني [ محمداً عليه السلام( {[4090]} ) ] .

وقول إبراهيم وإسماعيل : ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَكَ ) يدل على أن الإسلام والإيمان سواء ، إذ لم يسألا إلا أعلى الرتب وأشرف المنازل ، وهو الإيمان الذي هو الإسلام .

[ قال ]( {[4091]} ) مالك : " لما وقف إبراهيم على المقام أوحى الله إلى الجبال( {[4092]} ) أن تأخري عنه ، فتأخرت حتى أراه موضع( {[4093]} ) المناسك وهو قوله : ( وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ) إلى قوله : ( لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) . معناه أظهر لأعيننا( {[4094]} ) مكان المناسك ان جعلته من رؤية العين .

وقيل : معناه عَلِّمناها وعَرِّفناها( {[4095]} ) .

والمناسك : مناسك الحج ومعالمه .

وقال قتادة : " فأراهما/ الله مناسكهما بالطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة والإفاضة من عرفات ، ومن جمع ، ورمي الجمار حتى أكمل لهما الدين( {[4096]} ) " ( {[4097]} ) .

/ قال( {[4098]} ) السدي : " لما فرغ إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى( {[4099]} ) محمد من بنيان البيت ، أمره الله [ أن ]( {[4100]} ) ينادي ، فقال : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ )( {[4101]} ) ، فنادى بين أخشبي( {[4102]} ) مكة : يا أيها الناس ، إن الله يأمركم أن تحجوا بيته . قال : فوقرت( {[4103]} ) في قلب كل مؤمن ، فأجابه كل شيء سمعه( {[4104]} ) من جبل أو شجر أو دابة : لبيك ، لبيك –أجابوه بالتلبية- : لبيك اللهم لبيك ، فأتاه من أتاه . وأمره الله عز وجل أن يخرج إلى عرفات ، ونعتها الله له فخرج . فلما بلغ الشجرة عند العقبة( {[4105]} ) ، استقبله الشيطان يرده ، فرماه بسبع( {[4106]} ) حصيات يكبر مع كل حصاة ، فطار( {[4107]} ) اللعين فوقع على الجمرة الثانية [ أيضاً فصده ]( {[4108]} ) ، فرماه وكبّر فطار( {[4109]} ) اللعين فوقع على الجمرة( {[4110]} ) الثالثة فرماه وكبّر . فلما رأى أنه لا يطيقه( {[4111]} ) انطلق حتى( {[4112]} ) أتى ذا المجاز ، ولم يدر( {[4113]} ) إبراهيم صلى الله عليه وسلم أين يذهب فلما أتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم ذا( {[4114]} ) المجاز لم يعرفه فجازه ، فسمي ذا المجاز . ثم انطلق ، حتى وقع بعرفات فلما نظر إليها إبراهيم صلى الله عليه وسلم عرف النعت ، فقال : قد عرفت ، فسمى ذلك المكان عرفات . فوقف( {[4115]} ) إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعرفات( {[4116]} ) حتى إذا أمسى( {[4117]} ) ازدلف بجمع ، فسميت المزدلفة . فوقف بجمع ثم أقبل حتى أتى الشيطان حيث لقيه أولاً فرماه بسبع حصيات ، سبع حصيات ، ثم أقام بمنى حتى فرغ من الحج " ( {[4118]} ) .

وقيل : المناسك المذابح( {[4119]} ) . فالمعنى على هذا : وأرنا كيف ننسك لك يا رب نسائكنا ، فنذبحها لك .

قال عطاء( {[4120]} ) : " مناسكنا ذبحنا " ( {[4121]} ) . وعنه : " مذابحنا " . وكذلك قال مجاهد( {[4122]} ) .

وقيل : مناسكنا متعبداتنا . ومنه قيل للعابد ناسك( {[4123]} ) .

/قال ابن عباس : " لما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم( {[4124]} ) : ( رَبَّنَا وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ) ، أتاه [ جبريل صلى الله عليه وسلم ]( {[4125]} ) وعلى محمد( {[4126]} ) بهذا( {[4127]} ) الحجر من الجنة الذي يقال له المقام –وهو( {[4128]} ) ياقوتة بيضاء- فأقامه عليه . ثم رفعه إلى السماء حتى أشرف به على البلاد كلها . فأراه أعلام الحرم وجميع مناسك الحج لكها/ عرفات ، والمزدلفة( {[4129]} ) ، ومنى ، وجميع المناسك . ثم قال له : ( وَأَذِّنِ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ ) .

وواحد المناسك منسك مثل " مسجد " .

/وقيل : منسك وكان يجب أن يكون على " مَنْسُك " بالضم لأنه من " فَعَلَ يَفْعُلُ " إلا أنه ليس في الكلام " مَفْعُلُ " ( {[4130]} ) .

وقيل : المنسك الموضع الذي ينسك فيه لله عز وجل ، ويتقرب فيه إليه سبحانه بما يرضيه من الأعمال الصالحة( {[4131]} ) .

وأصله الموضع الذي يعتاده الإنسان يفعل فيه الخير ، ولذلك [ قيل : مناسك الحج لأنها مواضع( {[4132]} ) ] قد اعتادها الناس لفعل الخير( {[4133]} ) .

ثم قال : ( وَتُبْ عَلَيْنَا ) [ 127 ] .

التوبة الرجوع من( {[4134]} ) مكروه إلى محبوب ، فتوبة العبد/ إلى ربه( {[4135]} ) رجوعه مما هو عليه من المكروه بالندم عليه والإقلاع عنه والعزم على ترك العود فيه .

وتوبة الرب سبحانه على عبده عوده عليه بالعفو عنه عن جرمه وذنبه( {[4136]} ) .

- فإن قيل : وهل كانت لهما( {[4137]} ) ذنوب فاحتاجا إلى مسألة ربهما التوبة ؟ .

- فالجواب : أنه ليس أحد من خلق الله عز وجل إلا وله من العمل فيما بينه وبين ربه عز وجل ما يجب عليه الإنابة [ منه والتوبة ، فخصا ]( {[4138]} ) الموضع الذي كانا( {[4139]} ) فيه بالدعاء ليستجاب لهما على طريق التبرك به ، وليكون دعاؤهما في ذلك المكان سُنة لمن بعدهما ، وليتخذ( {[4140]} ) الناس بعدهما( {[4141]} ) تلك البقعة موضع تنصل من الذنوب ورجوع عن المكروه( {[4142]} ) .

وقيل : عَنَيا بقولهما : ( وَتُبْ( {[4143]} ) عَلَيْنَا ) : وتب( {[4144]} ) على الظلمة من ذريتنا الذين أعلمتنا أن منهم ظالماً( {[4145]} ) .

وقوله : ( إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [ 127 ] .

معناه : إنك أنت العائد في الفضل على عبادك ، المتفضل بالغفران لذنوبهم ، الرحيم بهم .

ثم قال : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمُ ) [ 128 ] .

هذه دعوة إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم( {[4146]} ) لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

وكان النبي [ عليه السلام يقول ]( {[4147]} ) : " أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى( {[4148]} ) عِيسَى " ( {[4149]} ) .

قال قتادة : " [ فأجاب ]( {[4150]} ) الله دعوتهما ، فبعث الله فيهم رسولاً من أنفسهم يعرفون وجهه ونسبه ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم " ( {[4151]} ) قال الربيع : / " فقيل لإبراهيم : قد استجيب لك ، وهو في آخر الزمان " ( {[4152]} ) .

وقوله : ( يَتْلُوا عَلَيْهِمُ ءَايَاتِكَ ) [ 128 ] .

من نعت( {[4153]} ) الرسول( {[4154]} ) . أي : يقرأ عليهم كتابك ، وكذلك ( وَيُعَلِّمُهُمُ ) ( وَيُزَكِّيهِمُ ) ، كله من نعت( {[4155]} ) الرسول صلى الله عليه وسلم .

والكتاب القرآن( {[4156]} ) .

قال قتادة : " الحكمة( {[4157]} ) : السنة " ( {[4158]} ) .

وقال ابن وهب : " قلت لمالك : ما الحكمة ؟ فقال : المعرفة في الدين والفقه( {[4159]} ) فيه والاتباع له " ( {[4160]} ) .

وقال ابن زيد : " الحكمة . العقل( {[4161]} ) في الدين " ( {[4162]} ) .

ومعنى ( وَيُزَكِّيهِمُ ) : ويطهرهم من الشرك بك ويكثرهم بطاعتهم لك( {[4163]} ) .

ثم قال : ( إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) [ 128 ] .

أي : أنت( {[4164]} ) القوي الذي لا يعجزه شيء المنيع الغالب . وأصل العزة المنع والغلبة( {[4165]} ) ، والعرب/ تقول : " مَنْ [ عزّ بَزّ ] ( {[4166]} ) " ، أي : من غلب استلب( {[4167]} ) .

وقولهم : " أَدَامَ اللهُ عِزَّكَ " ( {[4168]} ) ، أي : غلبتك وظفرك .

والحكيم الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل .

وقال الطبري : " الحكيم ذو الحكمة " .

وقيل : " الحكيم الحاكم " ( {[4169]} ) .

وقيل : " الحكيم : معناه المحكم ، أي المحكم( {[4170]} ) ما خلق " ( {[4171]} ) .

وقال ابن عباس : " العليم الذي قد( {[4172]} ) كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته " .


[4089]:- سقط من ع1، ع2، ح.
[4090]:- في ع3: محمد صلى الله عليه وسلم.
[4091]:- سقط من ع1، ع2، ع3.
[4092]:- في ق: الجبل.
[4093]:- في ع2، ع3: مواضع.
[4094]:- سقط من ع3.
[4095]:- انظر: مجاز القرآن 1/55، وتفسير الغريب 74. وهو قول عطاء في جامع البيان 3/79.
[4096]:- في ع1، ق: للدين.
[4097]:- انظر: جامع البيان 3/76.
[4098]:- في ع1، ح، ق: قال مالك: "لما وقف إبراهيم صلى الله عليه وسلم على المقام أوحى الله تبارك وتعالى إلى الجبال أن تأخري عنه، فتأخرت حتى أراه مواضع المناسك، وهو قوله: (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) [البقرة: 128]. قال. وهذه زيادة مقحمة ومكررة في هذا الموضع. فقد تقدم هذا القول لمالك قبل قول قتادة. (راجع الصفحة السابقة).
[4099]:- في ع2، ع3: على سيدنا.
[4100]:- سقط من ع1،ع2، ق، ع3.
[4101]:- الحج آية 25.
[4102]:- والأخشب الجبل. انظر: اللسان 1/833.
[4103]:- في ع3: فوقعت.
[4104]:- في ع3: فسمعه. وهو تحريف.
[4105]:- في ق: العقبة كلها.
[4106]:- في ع3: سبع.
[4107]:- في ع3: فصار. وهو تحريف.
[4108]:- في ع3: بهذه.
[4109]:- في ع3: فصار. وهو تحريف.
[4110]:- قوله: "الثانية أيضاً...على الجمرة" ساقط من ق.
[4111]:- في ع3: يضيقه.
[4112]:- في ح: حتى إذا.
[4113]:- في ع3: يرد. وهو تحريف.
[4114]:- في ع3: إذا. وهو تحريف.
[4115]:- في ع3: فوقع.
[4116]:- سقط من ع2.
[4117]:- في ع3: مسى.
[4118]:- انظر: جامع البيان 3/76-77، وتفسير ابن كثير 1/184.
[4119]:- انظر: جامع البيان 3/77.
[4120]:- قوله: "كيف ننسك...قال عطاء" ساقط من ع3.
[4121]:- في ع3: ذابحنا. وانظر: قوله في تفسير الثوري 49، وتفسير ابن كثير 1/133.
[4122]:- انظر: تفسيره 1/39.
[4123]:- انظر: جامع البيان 3/80، وتفسير القرطبي 2/128.
[4124]:- في ح: وسلم وعلى محمد.
[4125]:- في ع3: حبل عليه السلام. وهو تحريف.
[4126]:- في ع2، ع3: سيدنا محمد.
[4127]:- في ع3: بهذه.
[4128]:- في ع3: هي.
[4129]:- في ع3: مزدلفة.
[4130]:- وهو قول النحاس كما في تفسير القرطبي 2/128.
[4131]:- في ع3: الصالحات. وانظر: هذا القول في جامع البيان 3/79، واللسان 3/628.
[4132]:- في ع3: مناسك الحج لأنها مواضعها.
[4133]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 3/79، واللسان 3/628.
[4134]:- في ع3: عن.
[4135]:- قوله: "إلى ربه" ساقط من ع2، ع3.
[4136]:- انظر: جامع البيان 3/81.
[4137]:- في ع3: لها. وهو خطأ.
[4138]:- في ع3: والتوبة، فخص.
[4139]:- في ع2، ق: كان.
[4140]:- في ق: يتخذ.
[4141]:- قوله: "وليتخذ الناس بعدهما" ساقط من ع3.
[4142]:- انظر: جامع البيان 3/81.
[4143]:- في ع3: وثب. وهو تصحيف.
[4144]:- في ع3: وثب. وهو تصحيف.
[4145]:- انظر: جامع البيان 3/81-82.
[4146]:- في ع1، ق: السلام. وفي ح: سلم وعلى محمد.
[4147]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[4148]:- في ع3: بشراي. وهو تحريف.
[4149]:- رواه الحاكم في المستدرك (2/600) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
[4150]:- سقط من ع1.
[4151]:- انظر: جامع البيان 3/85.
[4152]:- انظر: جامع البيان 3/86، والدر المنثور 1/334.
[4153]:- في ع3: نعمة. وهو تحريف.
[4154]:- في ع2: الرسل. وهو تحريف.
[4155]:- في ع3: نعمة. وهو تحريف.
[4156]:- انظر: هذا التوجيه في تفسير القرطبي 2/131، وهو قول ابن زيد في جامع البيان 3/86.
[4157]:- في ق: الحكمة هي:
[4158]:- انظر: المحرر الوجيز 1/361، وتفسير القرطبي 2/131.
[4159]:- في ع3: الفقه في الدين.
[4160]:- انظر: المحرر الوجيز 1/361، وتفسير القرطبي 2/131.
[4161]:- في ع2: والعقل.
[4162]:- انظر: جامع البيان 3/87.
[4163]:- انظر: هذا المعنى في مجاز القرآن 1/56، وجامع البيان 3/88.
[4164]:- في ق: أشد. وفي ع3: إنك أنت.
[4165]:- انظر: مفردات الراغب 344، واللسان 2/764.
[4166]:- في ع2، ع3: عزيز. وهو تصحيف.
[4167]:- انظر: مجمع الأمثال 2/307.
[4168]:- في ع3: عزتك.
[4169]:- انظر: تفسير القرطبي 2/287.
[4170]:- سقط قوله "أي المحكم" من ع3.
[4171]:- انظر: تفسير القرطبي 2/287.
[4172]:- سقط من ع3.