[ قوله ]( {[4089]} )/ ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ ) [ 128 ] .
يعني [ محمداً عليه السلام( {[4090]} ) ] .
وقول إبراهيم وإسماعيل : ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَكَ ) يدل على أن الإسلام والإيمان سواء ، إذ لم يسألا إلا أعلى الرتب وأشرف المنازل ، وهو الإيمان الذي هو الإسلام .
[ قال ]( {[4091]} ) مالك : " لما وقف إبراهيم على المقام أوحى الله إلى الجبال( {[4092]} ) أن تأخري عنه ، فتأخرت حتى أراه موضع( {[4093]} ) المناسك وهو قوله : ( وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ) إلى قوله : ( لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) . معناه أظهر لأعيننا( {[4094]} ) مكان المناسك ان جعلته من رؤية العين .
وقيل : معناه عَلِّمناها وعَرِّفناها( {[4095]} ) .
والمناسك : مناسك الحج ومعالمه .
وقال قتادة : " فأراهما/ الله مناسكهما بالطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة والإفاضة من عرفات ، ومن جمع ، ورمي الجمار حتى أكمل لهما الدين( {[4096]} ) " ( {[4097]} ) .
/ قال( {[4098]} ) السدي : " لما فرغ إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى( {[4099]} ) محمد من بنيان البيت ، أمره الله [ أن ]( {[4100]} ) ينادي ، فقال : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ )( {[4101]} ) ، فنادى بين أخشبي( {[4102]} ) مكة : يا أيها الناس ، إن الله يأمركم أن تحجوا بيته . قال : فوقرت( {[4103]} ) في قلب كل مؤمن ، فأجابه كل شيء سمعه( {[4104]} ) من جبل أو شجر أو دابة : لبيك ، لبيك –أجابوه بالتلبية- : لبيك اللهم لبيك ، فأتاه من أتاه . وأمره الله عز وجل أن يخرج إلى عرفات ، ونعتها الله له فخرج . فلما بلغ الشجرة عند العقبة( {[4105]} ) ، استقبله الشيطان يرده ، فرماه بسبع( {[4106]} ) حصيات يكبر مع كل حصاة ، فطار( {[4107]} ) اللعين فوقع على الجمرة الثانية [ أيضاً فصده ]( {[4108]} ) ، فرماه وكبّر فطار( {[4109]} ) اللعين فوقع على الجمرة( {[4110]} ) الثالثة فرماه وكبّر . فلما رأى أنه لا يطيقه( {[4111]} ) انطلق حتى( {[4112]} ) أتى ذا المجاز ، ولم يدر( {[4113]} ) إبراهيم صلى الله عليه وسلم أين يذهب فلما أتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم ذا( {[4114]} ) المجاز لم يعرفه فجازه ، فسمي ذا المجاز . ثم انطلق ، حتى وقع بعرفات فلما نظر إليها إبراهيم صلى الله عليه وسلم عرف النعت ، فقال : قد عرفت ، فسمى ذلك المكان عرفات . فوقف( {[4115]} ) إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعرفات( {[4116]} ) حتى إذا أمسى( {[4117]} ) ازدلف بجمع ، فسميت المزدلفة . فوقف بجمع ثم أقبل حتى أتى الشيطان حيث لقيه أولاً فرماه بسبع حصيات ، سبع حصيات ، ثم أقام بمنى حتى فرغ من الحج " ( {[4118]} ) .
وقيل : المناسك المذابح( {[4119]} ) . فالمعنى على هذا : وأرنا كيف ننسك لك يا رب نسائكنا ، فنذبحها لك .
قال عطاء( {[4120]} ) : " مناسكنا ذبحنا " ( {[4121]} ) . وعنه : " مذابحنا " . وكذلك قال مجاهد( {[4122]} ) .
وقيل : مناسكنا متعبداتنا . ومنه قيل للعابد ناسك( {[4123]} ) .
/قال ابن عباس : " لما قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم( {[4124]} ) : ( رَبَّنَا وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ) ، أتاه [ جبريل صلى الله عليه وسلم ]( {[4125]} ) وعلى محمد( {[4126]} ) بهذا( {[4127]} ) الحجر من الجنة الذي يقال له المقام –وهو( {[4128]} ) ياقوتة بيضاء- فأقامه عليه . ثم رفعه إلى السماء حتى أشرف به على البلاد كلها . فأراه أعلام الحرم وجميع مناسك الحج لكها/ عرفات ، والمزدلفة( {[4129]} ) ، ومنى ، وجميع المناسك . ثم قال له : ( وَأَذِّنِ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ ) .
وواحد المناسك منسك مثل " مسجد " .
/وقيل : منسك وكان يجب أن يكون على " مَنْسُك " بالضم لأنه من " فَعَلَ يَفْعُلُ " إلا أنه ليس في الكلام " مَفْعُلُ " ( {[4130]} ) .
وقيل : المنسك الموضع الذي ينسك فيه لله عز وجل ، ويتقرب فيه إليه سبحانه بما يرضيه من الأعمال الصالحة( {[4131]} ) .
وأصله الموضع الذي يعتاده الإنسان يفعل فيه الخير ، ولذلك [ قيل : مناسك الحج لأنها مواضع( {[4132]} ) ] قد اعتادها الناس لفعل الخير( {[4133]} ) .
ثم قال : ( وَتُبْ عَلَيْنَا ) [ 127 ] .
التوبة الرجوع من( {[4134]} ) مكروه إلى محبوب ، فتوبة العبد/ إلى ربه( {[4135]} ) رجوعه مما هو عليه من المكروه بالندم عليه والإقلاع عنه والعزم على ترك العود فيه .
وتوبة الرب سبحانه على عبده عوده عليه بالعفو عنه عن جرمه وذنبه( {[4136]} ) .
- فإن قيل : وهل كانت لهما( {[4137]} ) ذنوب فاحتاجا إلى مسألة ربهما التوبة ؟ .
- فالجواب : أنه ليس أحد من خلق الله عز وجل إلا وله من العمل فيما بينه وبين ربه عز وجل ما يجب عليه الإنابة [ منه والتوبة ، فخصا ]( {[4138]} ) الموضع الذي كانا( {[4139]} ) فيه بالدعاء ليستجاب لهما على طريق التبرك به ، وليكون دعاؤهما في ذلك المكان سُنة لمن بعدهما ، وليتخذ( {[4140]} ) الناس بعدهما( {[4141]} ) تلك البقعة موضع تنصل من الذنوب ورجوع عن المكروه( {[4142]} ) .
وقيل : عَنَيا بقولهما : ( وَتُبْ( {[4143]} ) عَلَيْنَا ) : وتب( {[4144]} ) على الظلمة من ذريتنا الذين أعلمتنا أن منهم ظالماً( {[4145]} ) .
وقوله : ( إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [ 127 ] .
معناه : إنك أنت العائد في الفضل على عبادك ، المتفضل بالغفران لذنوبهم ، الرحيم بهم .
ثم قال : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمُ ) [ 128 ] .
هذه دعوة إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم( {[4146]} ) لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وكان النبي [ عليه السلام يقول ]( {[4147]} ) : " أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى( {[4148]} ) عِيسَى " ( {[4149]} ) .
قال قتادة : " [ فأجاب ]( {[4150]} ) الله دعوتهما ، فبعث الله فيهم رسولاً من أنفسهم يعرفون وجهه ونسبه ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم " ( {[4151]} ) قال الربيع : / " فقيل لإبراهيم : قد استجيب لك ، وهو في آخر الزمان " ( {[4152]} ) .
وقوله : ( يَتْلُوا عَلَيْهِمُ ءَايَاتِكَ ) [ 128 ] .
من نعت( {[4153]} ) الرسول( {[4154]} ) . أي : يقرأ عليهم كتابك ، وكذلك ( وَيُعَلِّمُهُمُ ) ( وَيُزَكِّيهِمُ ) ، كله من نعت( {[4155]} ) الرسول صلى الله عليه وسلم .
والكتاب القرآن( {[4156]} ) .
قال قتادة : " الحكمة( {[4157]} ) : السنة " ( {[4158]} ) .
وقال ابن وهب : " قلت لمالك : ما الحكمة ؟ فقال : المعرفة في الدين والفقه( {[4159]} ) فيه والاتباع له " ( {[4160]} ) .
وقال ابن زيد : " الحكمة . العقل( {[4161]} ) في الدين " ( {[4162]} ) .
ومعنى ( وَيُزَكِّيهِمُ ) : ويطهرهم من الشرك بك ويكثرهم بطاعتهم لك( {[4163]} ) .
ثم قال : ( إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) [ 128 ] .
أي : أنت( {[4164]} ) القوي الذي لا يعجزه شيء المنيع الغالب . وأصل العزة المنع والغلبة( {[4165]} ) ، والعرب/ تقول : " مَنْ [ عزّ بَزّ ] ( {[4166]} ) " ، أي : من غلب استلب( {[4167]} ) .
وقولهم : " أَدَامَ اللهُ عِزَّكَ " ( {[4168]} ) ، أي : غلبتك وظفرك .
والحكيم الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل .
وقال الطبري : " الحكيم ذو الحكمة " .
وقيل : " الحكيم الحاكم " ( {[4169]} ) .
وقيل : " الحكيم : معناه المحكم ، أي المحكم( {[4170]} ) ما خلق " ( {[4171]} ) .
وقال ابن عباس : " العليم الذي قد( {[4172]} ) كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته " .