الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (164)

سعيد عن أبي الضحى : قال : لمّا نزلت هذه الآية عجب المشركون وقالوا : إنّ محمّداً يقول الهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصّادقين فأنزل الله تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أي تعاقبهما في الذهاب والمجيء والاختلاف : الافتعال من خلف يخلف خلوفاً يعني إنّ كل واحد منهما إذا ذهب أحدهما جاء آخر خلافه أي : بعده ، نظير قوله : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } [ الفرقان : 62 ] .

عطاء وابن كيسان : أراد في اختلاف الليل والنّهار في اللّون والطّول والقصر والنّور والظلمة والزيادة والنقصان يكون أحدهما على الآخر ، والليل جمع ليلة مثل تمرة وتمر ونحلة ونحل ، واللّيالي جمع الجمع والنّهار واحد وجمعه نُهر . قال الشاعر :

لولا الثّريدان هلكنا بالضّمر *** ثريد ليل وثريد بالنّهر

وقدّم الليل على النّهار بالذكر لإنّه الأصل والأقدام قال الله تعالى : { وَآيَةٌ لَّهُمُ الْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ } [ يس : 37 ] . خلق الله تعالى الأرض مظلمة ثمّ خلق الشمس والقمر وهذا كتقديمه الصّوامع والبيع والصلوات على المساجد . { وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ } يعني السفن واحدة وجمعه سواء قال الله تعالى : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } [ الصافات : 139-140 ] .

وقال في الجمع : { حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } [ يونس : 22 ] يذكّر ويؤنّث قال الله تعالى : { الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } وقال في التأنيث { وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ } فالتذكير على الفظ الواحد والتأنيث على معنى الجمع . { بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ } يعني ركوبها والحمل عليها في التجارات والمكاسب وانواع المطلب . { وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٍ } يعني المطر . { فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } بعد يبوستها وجدوبتها . { وَبَثَّ } نشر وفرّق . { فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ } أي يقلّبها قبولاً ودبوراً وشمالاً وجنوباً .

وقيل : تصريفيها مرّة بالرحمة ومرّة بالعذاب .

وقرأ حمزة والأعمش والكسائي وخلف : الرّيح بغير ألف على الواحد وقرأ الباقون : الرّياح بالجمع .

قال ابن عبّاس : الرّياح للرحمة والريح للعذاب ، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا هاجت الريح يقول : " اللّهمّ اّجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " .

والرّيح يذكر ويؤنث . { وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ } أي الغيم المذلّل { بَيْنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ } سمّي سحاباً لأنّه يسحب أي يسير في سرعته كأنّه يسحب : أي يجرّ . { لآيَاتٍ } دلالات وعلامات . { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } فيعلمون إنّ لهذه الأشياء خالقاً وصانعاً .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويل لمن قرأ هذه الآية فمجّ بها " أي لم يتفكّر فيها ولم يعتبر بها .