الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (226)

{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } قتادة : كان الإيلاء طلاق أهل الجاهلية . سعيد بن المسيّب : كان ذلك من ضرار أهل الجاهلية ، كان الرجل لا يريد المرأة ولا يحبّ أن يتزوجها غيره يحلف ألاّ يقربها أبداً ، وكان يتركها كذلك لا أيّماً ولا ذات بعل ، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية وفي الإسلام ، فجعل الله الأجل الذي يعلم به عند الرجل في المرأة وهي أربعة أشهر ، فأنزل الله تعالى { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } وفي حرف عبد الله للذين آلوا من نسائهم على أنها الماضي ، وقرأ ابن عباس : للذين يقسمون من نسائهم . الإيلاء : الحلف ، يقال : آلى يولي ، إيلاء ، قالت الخنساء :

فآليت آسى على هالك *** أو أسأل نائحة مالها

والاسم منه الألية ، قال الشاعر :

عليّ ألية وصيام *** أمسك طارها ألاّ يكفّ

وفيه أربع لغات ، أليّة وألوة وللوة وآلوة ومعنى الآية { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ } أن يعتزلوا من نسائهم ، فترك ذكره اكتفى بدلالة الكلام عليه ، والتربّص : التريث والتوقف ، وزعم بعضهم أنّه من المقلوب ، قالوا : التربّص : التصبّر ، فمثلا أن يحلف الرجل أن لا يقرب امرأته فيقول لها : والله لا أجامعك أو لا يجتمع فراشي بفراشك ، ونحو ذلك من ألفاظ الجماع ، وكل حين يحلفها الرجل على امرأته فيصير ممتنعاً من جماعها أكثر من أربعة أشهر إلاّ بشيء ( يكون ) في بدنه وماله فهو إيلاء ، وما كان دون أربعة أشهر فليس بإيلاء .

وكان علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) يقول : الإيلاء يمين في الغضب فإذا حلف في حال الرضا فليس بإيلاء ، وعامة الفقهاء يجرونه على العمد ، ويلزمون الإيلاء في كل يمين منع من جماعها في حال الرضا والغضب ، فإذا آلى تُبان فإنْ هو جامع قبل مضي أربعة أشهر كفّر عن يمينه ولا شيء عليه ، والنكل ثابت هو إنْ هو لم يجامع حتى تنقضي أربعة أشهر ، فاختلف الفقهاء فيه ، فقال بعضهم : إذا مضت أربعة أشهر ولم يفِ بانت منه بتطليقة وهي أملك بنفسها ، وهذا قول عبد الله بن مسعود ومحمد بن ثابت وقتادة ومقاتل بن حبّان والكلبي وأبي حنيفة ، يدلّ عليه قول ابن عباس : عزيمة الطلاق إمضاء أربعة أشهر .

وقال بعضهم : إذا مضت أربعة أشهر والرجل ممتنع فإن عفّت المرأة ولم تطلب حقّها من الجماع فلا شيء على الرجل ولا يقع به طلاق وهما على نكاح ما لو قامت على ذلك ، وإن طلبت حقها وقف الحاكم زوجها ، فإما أن يفي وإما أن يطلّق ، فإنْ أبى [ الفيئة ] والطلاق جميعاً طلق عليه الحاكم ، وقيل : يحبسه أبداً حتى يطلّق ، وجملة هذا القول الذي ذكروا من الوقف قول عمر وعثمان وعليّ وأبي الدرداء وابن عمر وعائشة وسعيد بن جبير وسليمان بن يسار ومجاهد ، ومذهب مالك والشافعي وأبي ثور وأبي عبيدة وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث .

وقال يونس الصواف : أتيت سعيد بن المسيّب فقال : من أين ؟ قلت : من الكوفة ، قال : وإنّهم يقولون في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر [ فلا شيء عليه ] ولا أربع سنين حتى لو [ يفىء أن يطلّق ] وألغى الجماع فإن كان عاجزاً عن الجماع بمرض أو عنّة أو نحوها فاء بلسانه وأُشهد .

وقال : كان إبراهيم النخعي يقول : ألغي باللسان على كل حال ، فإذا فاء فعليه الكفارة ليمينه في قول الفقهاء ، إلاّ الحسن وإبراهيم وقتادة فإنهم أسقطوا الكفارة عن المولى إذا فاء لقوله { فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وقال إبراهيم : هذا في إسقاط الحق به لا في الكفارة .