نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (226)

ولما كان الإيلاء حلفاً مقيداً وبين حكم مطلق اليمين قبله لتقدم المطلق على المقيد بانفكاكه عنه بينه دليلاً على حلمه{[10404]} {[10405]}حيث لم يؤاخذهم به فقد كانوا يضارون به النساء{[10406]} في الجاهلية بأن يحلفوا على عدم الوطء أبداً فتكون المرأة {[10407]}لا أيماً{[10408]} ولا ذات بعل وجعل لهم فيه مرجعاً يرجعون إليه فقال في جواب من كأنه سأل عنه لما أشعر به ما تقدم : { للذين يؤلون{[10409]} } أي يحلفون حلفاً مبتدئاً { من نسائهم } في صلب النكاح أو علقة الرجعة بما أفادته الإضافة بأن لا يجامعوهن أبداً أو فوق أربعة أشهر فالتعدية{[10410]} بمن تدل على أخذ في البعد عنهن{[10411]} .

قال الحرالي : والإيلاء تأكيد الحلف و{[10412]}تشديده {[10413]}سواء كانوا أحراراً أو عبيداً أو بعضاً وبعضاً في حال الرضى أو الغضب محبوباً كان أو لا لأن المضارة حاصلة بيمينه{[10414]} { تربص{[10415]} } أي إمهال وتمكث يتحمل فيه الصبر الذي هو مقلوب لفظه{[10416]} - انتهى . { أربعة أشهر } ينتظر فيها رجوعهم إليهن{[10417]} حلماً من الله سبحانه وتعالى حيث لم يجعل الأمر {[10418]}بتاحين{[10419]} الحلف بفراق{[10420]} أو وفاق{[10421]} . قال الحرالي : ولما كان لتخلص المرأة من الزوج أجل عدة كان أجلها مع أمد هذا التربص كأنه - والله سبحانه وتعالى أعلم - هو القدر الذي تصبر المرأة عن زوجها{[10422]} ، يذكر أن عمر رضي الله تعالى عنه سأل النساء عن قدر ما تصبر المرأة عن الزوج ، فأخبرنه{[10423]} أنها تصبر ستة أشهر ، فجعل ذلك أمد البعوث{[10424]} فكان التربص والعدة قدر ما تصبره{[10425]} المرأة عن زوجها ، وقطع سبحانه وتعالى بذلك ضرار الجاهلية في الإيلاء إلى غير حد - انتهى وفيه تصرف .

ولما كان حالهم بعد ذلك مردداً بين تعالى قسميه فقال {[10426]}مفصلاً له{[10427]} { فإن فاؤوا } أي رجعوا في الأشهر ، {[10428]}وأعقبها{[10429]} عن المفاصلة إلى المواصلة ، من الفيء{[10430]} وهو الرجوع إلى ما كان منه الانبعاث { فإن الله } يغفر لهم ما قارفوه{[10431]} في ذلك من إثم ويرحمهم{[10432]} بإنجاح مقاصدهم لأنه { غفور{[10433]} رحيم * } له هاتان الصفتان ينظر بهما إلى من يستحقهما{[10434]} فيغفر ما في ذلك من جناية منهما أو من أحدهما إن شاء ويعامل بعد ذلك بالإكرام . قال الحرالي : وفي مورد هذا الخطاب بإسناده للأزواج ما يظافر معنى إجراء{[10435]} أمور النكاح على سترة{[10436]} وإعراض عن حكم الحكام من حيث جعل التربص له والفيء منه ، فكأن الحكم من الحاكم إنما يقع على من هتك حرمة ستر أحكام الأزواج التي يجب أن تجري بين الزوجين من وراء ستر كما هو سر النكاح الذي هو سبب جمعهما ليكون حكم السر سراً وحكم الجهر جهراً - انتهى .


[10404]:في م: حكمه.
[10405]:العبارة من هنا إلى "يرجعون إليه" ليست في ظ.
[10406]:ليس في م.
[10407]:في م: لايما – كذا.
[10408]:في م: لايما – كذا.
[10409]:قال ابن المسيب: كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يترك المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره فيحلف أن لا يقربها فيتركها لا أيما ولا ذات زوج فأنزل الله هذه الآية، وقال ابن عباس: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر فوقت الله ذلك، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة لأنه تقدم شيء من أحكام النساء وشيء من أحكام الأيمان وهذه الآية جمعت بين الشيئين – البحر المحيط 2 / 180.
[10410]:من م ومد وظ، وفي الأصل: تحديد.
[10411]:العبارة من هنا إلى "وتشديده" مقدمة في الأصل ومد على "حلفا مبتدئا" وقد ثبت هنا في ظ وم.
[10412]:ليس في ظ.
[10413]:ليست في ظ، وقد قدمها في م على "حلفا مبتدئا".
[10414]:ليست في ظ، وقد قدمها في م على "حلفا مبتدئا".
[10415]:وظاهر هذا أن ابتداء أجل الإيلاء من وقت حلف لا من وقت المخاصمة والرفع إلى الحاكم قيل: وحكمه ضرب أربعة أشهر لأنه غالب ما تصبر المرأة فيها عن الزوج وقصة عمر مشهورة في سماع المرأة تنشد بالليل: ألا طال هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا حبيب ألاعبه وسؤاله: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقيل له: لا تصبر أكثر من أربعة أشهر، فجعل ذلك أمدا لكل سرية يبعثها – البحر المحيط 2 / 182.
[10416]:التربص الترقب والانتظار، مصدر تربص وهو مقلوب التصبر قال: تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو يموت حليلها
[10417]:من م وظ، وفي الأصل ومد: اليمين.
[10418]:من مد وظ وفي الأصلوم: بتاخير.
[10419]:من مد وظ، وفي الأصل وم: بتاخير.
[10420]:من م ومد وظ، وفي الأصل: بفواق.
[10421]:في م: وفاة – كذا.
[10422]:ليس في م.
[10423]:من م ومد وظ، وفي الأصل: فأخبر به.
[10424]:في م فقط: المبعوث.
[10425]:في م: تصبر.
[10426]:ليس في ظ.
[10427]:ليس في ظ.
[10428]:ليست في ظ. وفي م: عقبها وفي مد: أو عقبها.
[10429]:ليست في ظ وفي م: عقبها وفي مد: أو عقبها.
[10430]:فاء يفيء فيئا وفيأة رجع، وسمى الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع عن جانب المشرق إلى المغرب، وهو سريع الفيأة أي الرجوع، قال علقمة: فقلت لها فيئ فما تستنفرين ذوات العيون والبنان المخضب.
[10431]:من م ومد وظ، وفي الأصل: فارقوه.
[10432]:من م ومد وظ، وفي الأصل: رحمهم.
[10433]:استدل بهذا من قال أنه إذا فاء المولى ووطئ فلا كفارة عليه في مينه وإلى هذا ذهب الحسن وإبراهيم وذهب الجمهور مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم إلى إيجاب كفارة اليمين على المولى بجماع امرأته فيكون الغفران هنا إشعار بإسقاط الإثم بفعل الكفارة وهو قول على وابن عباس وابن المسيب إنه غفران الإثم وعليه كفارة – البحر المحيط 2 / 183.
[10434]:من م ومد وظ، وفي الأصل: يستحقها.
[10435]:في مد: أجزاء
[10436]:من م ومد وظ، وفي الأصل: ستره.