فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (226)

( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ) أي يحلفون والمصدر إيلاء وألية وألوة ، وقرأ ابن عباس للذين الو يقال الئ يولي ايلاء ويأتلي بالتاء ائتلاء أي حلف ، ومنه ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم ) والإيلاء حقه أن يستعمل بعلى ، استعماله بمن لتضمنه معنى البعد أي يحلفون متباعدين من نسائهم .

وقد اختلف أهل العلم في الإيلاء فقال الجمهور إن الإيلاء هو أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر ، فإن حلف على أربعة أشهر فما دونها لم يكن موليا ، وكانت عندهم يمينا محضا ، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور ، وقال الثوري والكوفيون : الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا وهو قول عطاء .

وروي عن ابن عباس أنه لا يكون موليا حتى يحلف أن لا يمسها أبدا وقالت طائفة : إذا حلف أن لا يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأها أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء ، وبه قال ابن مسعود و النخعي وابن أبي ليلى والحكم وحماد بن سليمان وقتادة واسحق .

قال ابن المنذر : وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم .

وقوله ( من نسائهم ) يشمل الحرائر والإماء إذا كن زوجات وكذلك يدخل تحت قوله ( للذين يؤلون ) العبد إذا حلف من زوجته ، وبه قال أحمد والشافعي وأبو ثور قالوا وايلاؤه كالحر ، وقال مالك والزهري وعطاء وأبو حنيفة وإسحق : إن أجله شهران ، وقال الشعبي : إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة ، والتربص التأني والتأخر .

وإنما وقت الله سبحانه بهذه المدة دفعا للضرار عن الزوجة ، وقد كان أهل الجاهلية يؤلون السنة والسنتين وأكثر من ذلك ضرار النساء ، وقد قيل إن الأربعة الأشهر هي التي لا تطيق المرأة الصبر عن زوجها زيادة عليها ( القرطبي 3/108 . ) .

( فإن فاءوا ) أي رجعوا فيها أو بعدها عن اليمين إلى الوطء ، ومنه ( حتى تفئ إلى أمر الله ) أي ترجع ، ومنه قيل للظل بعد الزوال ( فئ ) لأنه رجع عن جانب المشرق إلى جانب المغرب ، يقال فاء يفئ فيئة وفيئا ، وأنه سريع الفيئة أي الرجعة ، وللسلف في الفئ أقوال مختلفة فينبغي الرجوع إلى معنى الفئ وقد بيناه .

قال ابن المنذر : وأجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الفيء الجماع لمن لا عذر له ، فإن كان له عذر مرض أو سجن فهي امرأته ، فإذا زال العذر فأبى الوطء فرق بينهما إن كانت المدة قد انقضت ، قاله مالك .

وقالت طائفة : إذا أشهد على فيئه بقلبه في حال العذر أجزأه ، وبه قال الحسن وعكرمة والنخعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل .

وقد أوجب الجمهور على المولى إذا فاء بجماع امرأته الكفارة ، وقال الحسن والنخعي : لا كفارة عليه ، وللصحابة والتابعين في هذا أقوال مختلفة متناقضة ، والمتعين الرجوع إلى ما في الآية الكريمة وهو ما عرفناك واشدد عليه يديك ( فإن الله غفور ) للزوج إذا تاب من إضراره بامرأته ( رحيم ) لكل التائبين .