الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } .

روى أبو بكر الهذلي عن الحسن قال : ما زالوا يقولون : ربّنا ربّنا حتى استجاب لهم ربّهم .

وروى عن الصادق أنه قال : من حزَّ به أمر فقال خمس مرات : ربنا أنجاه الله ممّا يخاف وأعطاه ما أراد . قيل له : وكيف ذلك ؟ قال : اقرؤا إن شئتم الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً إلى قوله تعالى الميعاد .

فأما نزول الآية : فقال مجاهد : قالت أم سلمة : يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء بشيء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

قال : وقالت الأنصار : هي أول ظعينة قدمت علينا { أَنِّي } أي بأني أو لأني ، نصب بنزع الخافض .

وقرأ عيسى بن عمر : ( إني ) بكسر الألف ، كأنه أضمر القول أو جعل الإستجابة قولا .

{ لاَ أُضِيعُ } لا أحبط ولا أبطل { عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ } أيها المؤمنون { مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } .

قال الكلبي : يعني من الدين والنصرة والموالاة ، وقيل : حكم جميعكم في الثواب واحد ، وقيل : كلكم من آدم وحواء .

الضحاك : رجالكم بشكل نسائكم في الطاعة ونساؤكم بشكل رجالكم في الطاعة ، نظيرها قوله :

{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ التوبة : 71 ] .

{ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } أي في طاعتي ، وهم المهاجرون الذين أخرجهم المشركون من مكة وآذوهم { وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ } .

قرأ محارب بن دثار : ( وقتلوا ) بفتح القاف وقاتلوا .

وعن يزيد بن حازم قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقرأ : ( وقتلوا وقتلوا ) يعني أنهم قتلوا من قتلوا من المشركين ثم قتلهم المشركون .

وقرأ أبو رجاء والحسن وطلحة : ( وقاتلوا وقتِّلوا ) مشدداً .

قال الحسن : يعني إنهم قطّعوا في المعركة .

وقرأ عاصم وأبو عبيد وأهل المدينة : ( وقاتلوا وقتلوا ) يريد أنهم قاتلوا ثم قتلوا .

وقرأ يحيى بن وثَّاب والأعمش وحمزة والكسائي وخلف : ( وقتلوا وقاتلوا ) ولها وجهان : أحدهما وقاتل من بقى منهم ، تقول العرب : قتلنا بني تميم ، وإنما قتلوا بعضهم . والوجه الآخر : بإضمار ( قد ) أي وقتلوا وقد قاتلوا .

قال الشاعر :

تصابى وأمسى علاه الكبر

{ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللَّهِ } .

قال الكسائي : نصب ( ثواباً ) على القطع ، وقال المبرد : مصدر ومعناه : لأتينهم ثواباً .

{ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } .

عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله عزّ وجلّ يدعوا يوم القيامة بالجنة ويأتي بزخرفها وزينتها فيقول : أين عبادي الذين قاتلوا في سبيل الله وأوذوا في سبيلي وجاهدوا في سبيلي ادخلوا الجنة ، فيدخلونها بغير حساب ولا عذاب ، فتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : ربّنا نسبح الليل والنهار ونقدس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا ، فيقول الله عزّ وجلّ : هؤلاء عبادي الذين أوذوا في سبيلي ، فيدخل عليهم الملائكة يقولون : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " .