الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ} (194)

{ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ } على ألسِنَة رسلك كقوله :

{ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ } [ يوسف : 81 ] .

وقرأ الأعمش : ( رسلك ) بالتخفيف .

{ وَ تُخْزِنَا } لا تعذبنا ولا تهلكنا ولا تفضحنا ولا تهنّا { يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } يعني قيل : ما وجه قولهم : ( ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) وقد علموا وزعموا أن الله لا يخلف الميعاد ، والجواب عنه : إن لفظه الدعاء ، ومعناه الخبر تقديره : ( واغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ) ولا تخزنا ، وتؤتينا ما وعدتنا على ألسن رسلك من الفضل والرحمة والثواب والنعمة ، وقيل معناه : واجعلنا ممّن تؤتيهم ما وعدت على ألسنة رسلك ويستحقون ثوابك ، لأنهم ما تيقنوا إستحقاقهم لهذه الكرامة ، فسألوه أن يجعلهم مستحقين لها ، ولو كان القوم قد شهدوا بذلك لأنفسهم ، لكانوا قد زكّوها وليس ذلك من صفة الأبرار .

وقال بعضهم : إنما سألوا ربّهم تعجيل ما وعدهم من النصر على الأعداء وإعزاز الدين ، لأنها حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : قد علمنا أنك لا تخلف وعدك من النصر والظفر على الكفار ، ولكن لا صبر لنا على حكمك ، فعجّل خزيهم وانصرنا عليهم .

ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجز وعده ، ومن أوعد على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار " .

عن الأصمعي قال : سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول : سألني عمرو بن عبيد : أيخلف الله وعده ؟ قلت : لا . قال : فيخلف الله وعيده ؟ قلت : نعم . قال : ولِمَ ؟ قلت : لأن في خلفه الوعد علامة ندم وفي خلفه الوعيد إظهار الكرم ، ثم أنشأ يقول :

ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي *** ولا أختبي من خشية المتهدد

إني وإن أوعدته أو وعدته *** لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

عن سعيد المقبري عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل ليلة .

وعن يزيد بن أبي حبيب : أن عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) قال : من قرأ في ليلة { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } إلى آخرها كتبت له بمنزلة قيام ليلة .