الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (61)

ثمّ رجع إلى ذكر المنافقين وقال : { وَمِنْهُمُ } يعني من المنافقين { الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } نزلت في حزام بن خالد ، والجلاس بن سويد ، وإياس بن قيس ، ومخشي بن خويلد ، وسمّاك بن يزيد ، وعبيد بن هلال ورفاعة بن المقداد ، وعبيدة بن مالك ، ورفاعة بن زيد ، كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون مالا ينبغي ، فقال بعضهم : لا تفعلوا مايقولون فيقع بنا ، فقال الجلاس : بل نقول ما شئنا ، ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول : فإنّما محمد أذن سامعة فأنزل الله هذه الآية .

وقال محمد بن إسحاق عن يسار وغيرة نزلت في رجل من المنافقين يقال له : نهشل بن الحرث ، وكان حاسر الرأس أحمر العينين أسفح الخدين مشوّه الخلقة ، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن ينظر الى الشيطان فلينظر إلى نهشل بن الحرث " ، وكان ينمّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين فقيل له : لا تفعل ، فقال : إنما محمد أذن ، من حدّثه شيئاً يقبل ، نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له ويصدقنا عليه ، فأنزل : { الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } يسمع من كل واحد ويقبل ما يقال له ومثله أذنة على وزن فعلة ويستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع ، وأصله : أذن يأذن أذناً إذا استمع ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ما اذن الله لشيء كأذنه لنبي بمعنى القرآن ، وقال عدي بن زيد :

أيها القلب تعلل بددن *** إن همي في سماع وأَذَن

وقال الأعشى :

صمٌّ إذا سمعوا خيراً ذُكرتُ به *** وإن ذُكرتُ بشرَ عندهم أذنوا

وكان أُستاذنا أبو القاسم الجبيبي يحكي عن أبي زكريا العنبري عن ابن العباس الازهري عن أبي حاتم السجستاني أنّه قال : هو أذن أي ذو أذن سامعة .

{ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } قراءة العامة بالإضافة أي أذن خير لا أذن شرّ ، وقرأ الحسن والأشهب العقيلي : والأعمش والبرجمي : أذن خير لكم مرفوعاً من المنافقين ومعناه : إنْ كان محمداً كما تزعمون بأن يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل قولكم .

ثم كذّبهم فقال { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } يعلمهم ، وقيل : يقال أمنتك وأمنت لك بمعنى صدقتك كقوله :

{ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 58 ] أي [ . . . . . . . . . . . . ] ربهم { وَرَحْمَةٌ } قرأ الحسن وطلحة والأعمش وحمزة : ( ورحمة ) عطفاً على معنى أُذن خير وأُذن شر في قول عبد الله وأُبي ، وقرأ الباقون : ( ورحمة ) بالرفع أي : هو أُذن خير ، وهو رحمة ، جعل الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم مفتاح الرحمة ومصباح الظلمة وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم .

{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } قال قتادة والسدّي : [ اجتمع نفر ] من المنافقين منهم جلاس بن سويد وذريعة بن ثابت فوقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : لئن كان مايقول محمد حق لنحن شر من الحمير ، وكان سمعهم غلام من الأنصار يقال له عامر بن قيس ، فحقروه وقالوا هذه المقالة ، فغضب الغلام وقال : والله إنّ ما يقوله محمد حق وأنتم شر من الحمير ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فدعاهم فسألهم فحلفوا إن عامراً كذّاب ، وحلف عامر أنهم كذبة ، فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم فجعل عامر يقول : اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب ، وقد كان قال بعضهم في ذلك : يا معشر المنافقين والله إني شر خلق الله ، لوددت أني قدمت فجلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية .

وقال مقاتل والكلبي : نزلت هذه الآية في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك ، فلمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك أتوا المؤمنين يعتذرون إليهم من تخلّفهم ، ويطلبون ويحلفون ، فأنزل الله { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ }