ثمّ رجع إلى ذكر المنافقين وقال : { وَمِنْهُمُ } يعني من المنافقين { الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } نزلت في حزام بن خالد ، والجلاس بن سويد ، وإياس بن قيس ، ومخشي بن خويلد ، وسمّاك بن يزيد ، وعبيد بن هلال ورفاعة بن المقداد ، وعبيدة بن مالك ، ورفاعة بن زيد ، كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون مالا ينبغي ، فقال بعضهم : لا تفعلوا مايقولون فيقع بنا ، فقال الجلاس : بل نقول ما شئنا ، ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول : فإنّما محمد أذن سامعة فأنزل الله هذه الآية .
وقال محمد بن إسحاق عن يسار وغيرة نزلت في رجل من المنافقين يقال له : نهشل بن الحرث ، وكان حاسر الرأس أحمر العينين أسفح الخدين مشوّه الخلقة ، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أراد أن ينظر الى الشيطان فلينظر إلى نهشل بن الحرث " ، وكان ينمّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين فقيل له : لا تفعل ، فقال : إنما محمد أذن ، من حدّثه شيئاً يقبل ، نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له ويصدقنا عليه ، فأنزل : { الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } يسمع من كل واحد ويقبل ما يقال له ومثله أذنة على وزن فعلة ويستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع ، وأصله : أذن يأذن أذناً إذا استمع ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ما اذن الله لشيء كأذنه لنبي بمعنى القرآن ، وقال عدي بن زيد :
أيها القلب تعلل بددن *** إن همي في سماع وأَذَن
صمٌّ إذا سمعوا خيراً ذُكرتُ به *** وإن ذُكرتُ بشرَ عندهم أذنوا
وكان أُستاذنا أبو القاسم الجبيبي يحكي عن أبي زكريا العنبري عن ابن العباس الازهري عن أبي حاتم السجستاني أنّه قال : هو أذن أي ذو أذن سامعة .
{ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } قراءة العامة بالإضافة أي أذن خير لا أذن شرّ ، وقرأ الحسن والأشهب العقيلي : والأعمش والبرجمي : أذن خير لكم مرفوعاً من المنافقين ومعناه : إنْ كان محمداً كما تزعمون بأن يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل قولكم .
ثم كذّبهم فقال { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } يعلمهم ، وقيل : يقال أمنتك وأمنت لك بمعنى صدقتك كقوله :
{ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 58 ] أي [ . . . . . . . . . . . . ] ربهم { وَرَحْمَةٌ } قرأ الحسن وطلحة والأعمش وحمزة : ( ورحمة ) عطفاً على معنى أُذن خير وأُذن شر في قول عبد الله وأُبي ، وقرأ الباقون : ( ورحمة ) بالرفع أي : هو أُذن خير ، وهو رحمة ، جعل الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم مفتاح الرحمة ومصباح الظلمة وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم .
{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } قال قتادة والسدّي : [ اجتمع نفر ] من المنافقين منهم جلاس بن سويد وذريعة بن ثابت فوقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : لئن كان مايقول محمد حق لنحن شر من الحمير ، وكان سمعهم غلام من الأنصار يقال له عامر بن قيس ، فحقروه وقالوا هذه المقالة ، فغضب الغلام وقال : والله إنّ ما يقوله محمد حق وأنتم شر من الحمير ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فدعاهم فسألهم فحلفوا إن عامراً كذّاب ، وحلف عامر أنهم كذبة ، فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم فجعل عامر يقول : اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب ، وقد كان قال بعضهم في ذلك : يا معشر المنافقين والله إني شر خلق الله ، لوددت أني قدمت فجلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية .
وقال مقاتل والكلبي : نزلت هذه الآية في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك ، فلمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك أتوا المؤمنين يعتذرون إليهم من تخلّفهم ، ويطلبون ويحلفون ، فأنزل الله { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.