جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ} (58)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مّا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالاُنْثَىَ ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : ومن جهل هؤلاء المشركين ، وخُبث فعلهم ، وقبح فِرْيتهم على ربهم ، أنهم يجعلون لمن خلقهم ودبّرهم وأنعم عليهم ، فاستوجب بنعمه عليهم الشكر ، واستحقّ عليهم الحمد ، البَنَاتِ ، ولا ينبغي أن يكون لله ولد ذكر ولا أنثى سبحانه ، نزّه جلّ جلاله بذلك نفسه عما أضافوا إليه ونسبوه من البنات ، فلم يرضوا بجهلهم ، إذ أضافوا إليه ما لا ينبغي إضافته إليه . ولا ينبغي أن يكون له من الولد ، أن يضيفوا إليه ما يشتهونه لأنفسهم ويحبونه لها ، ولكنهم أضافوا إليه ما يكرهونه لأنفسهم ، ولا يرضونه لها من البنات ما يقتلونها إذا كانت لهم . وفي «ما » التي في قوله : " ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ " ، وجهان من العربية : النصب عطفا لها على «البنات » ، فيكون معنى الكلام إذا أريد ذلك : ويجعلون لله البنات ولهم البنين الذين يشتهون ، فتكون «ما » للبنين ، والرفع على أن الكلام مبتدأ من قوله : " ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ " فيكون معنى الكلام : ويجعلون لله البنات ولهم البنون .

وقوله : { وَإذَا بُشّرَ أحَدُهُمْ بالأُنْثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا } ، يقول : وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات ، بولادة ما يضيفه إليه من ذلك له ، ظلّ وجهه مسودّا من كراهته له ، وَهُوَ كَظِيمٌ ، يقول : قد كَظَم الحزنَ ، وامتلأ غمّا بولادته له ، فهو لا يظهر ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { ويَجْعَلُونَ لِلّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ } ، ثم قال : { وَإذَا بُشّرَ أحَدُهُمْ بالأُنثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ . . . إلى آخر الاَية ، يقول : يجعلون لله البنات ، ترضونهنّ لي ولا ترضونهنّ لأنفسكم ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا وُلد للرجل منهم جارية أمسكها على هون ، أو دسها في التراب وهي حية .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذَا بُشّرَ أحَدهُمْ بالأُنْثى ظَلّ وَجْهَهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ وهذا صنيع مشركي العرب ، أخبرهم الله تعالى ذكره بخبث صنيعهم فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له ، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه ، ولعمري ما يدري أنه خير ، لرُبّ جارية خير لأهلها من غلام . وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه ، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : وَهُوَ كَظِيمٌ قال : حزين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : وَهُوَ كَظِيمٌ قال : الكظيم : الكميد .

وقد بيّنا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ} (58)

{ وإذا بُشّر أحدهم بالأنثى } ، أخبر بولادتها . { ظل وجهه } ، صار أو دام النهار كله . { مسودّاً } من الكآبة والحياء من الناس . واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير . { وهو كظيم } مملوء غيظا من المرأة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ} (58)

وقوله : { وإذا بشر } ، لما صرح بالشيء المبشر به ، حسن ذكر البشارة فيه ، وإلا فالبشارة مطلقة لا تكون إلا في خير ، وقوله : { ظل وجهه مسوداً } ، عبارة عن العبوس والتقطيب الذي يلحق المغموم ، وقد يعلو وجه المغموم سواد وربدة ، وتذهب شراقته ، فلذلك يذكر له السواد ، و { كظيم } بمعنى كاظم ، كعليم وعالم ، والمعنى : أنه يخفي وجده وهمه بالأنثى .