القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَاقاً غَلِيظاً } .
يقول تعالى ذكره : كان ذلك في الكتاب مسطورا ، إذ كتبنا كلّ ما هو كائن في الكتاب وَإذْ أخَذْنا مِنَ النّبِيّينَ مِيثاقَهُمْ كان ذلك أيضا في الكتاب مسطورا ، ويعني بالميثاق : العهد ، وقد بيّنا ذلك بشواهده فيما مضى قبل . وَمِنْكَ يا محمد وَمِنْ نُوحِ وإبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى ابنِ مَرْيَمَ ، وأخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقا غَلِيظا يقول : وأخذنا من جميعهم عهدا مؤكدا أن يصدّق بعضهم بعضا . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذْ أخَذْنا مِنَ النّبِيّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ قال : وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «كُنْتُ أوّلَ الأَنْبِياءِ فِي الخَلْقِ ، وآخِرَهُمْ فِي البَعْثِ » ، وَإبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وأخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقا غَلِيظا ميثاق أخذه الله على النبيين ، خصوصا أن يصدّق بعضهم بعضا ، وأن يتبع بعضهم بعضا .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : كان قتادة إذا تلا هذه الاَية وَإذْ أخَذْنا مِنَ النّبِيّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ قال : كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في أوّل النبيين في الخلق .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله مِنَ النّبِيّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ قال : في ظهر آدم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وأخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقا غَلِيظا قال : الميثاق الغليظ : العهد .
{ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم } مقدر باذكر وميثاقهم عهودهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم . { ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم } خصهم بالذكر لأنهم مشاهير أرباب الشرائع وقدم نبينا عليه الصلاة والسلام تعظيما له وتكريما لشأنه . { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } عظيم الشأن أو مؤكدا باليمين ، والتكرير لبيان هذا الوصف تعظيما له .
{ إذ } يحتمل أن تكون ظرفاً لتسطير الأحكام المتقدمة في الكتاب ، كأنه قال كانت هذه الأحكام مسطرة ملقاة إلى الأنبياء إذ أخذنا عليهم الميثاق في التبليغ والشرائع ، فتكون { إذ } متعلقة بقوله { كان ذلك في الكتاب مسطوراً } [ الأحزاب : 6 ] ، ويحتمل أن تكون في موضع نصب بإضمار فعل تقديره واذكر إذ ، وهذا التأويل أبين من الأول ، وهذا «الميثاق » المشار إليه قال الزجاج وغيره إنه الذي أخذ عليهم وقت استخراج البشر من صلب آدم كالذر ، قالوا فأخذ الله تعالى حينئذ ميثاق النبيين بالتبليغ وبتصديق بعضهم بعضاً وبجميع ما تتضمنه النبوءة ، وروي نحوه عن أبيّ بن كعب ، وقالت فرقة بل أشار إلى أخذ الميثاق على كل واحد منهم عند بعثه وإلى إلقاء الرسالة إليه وأوامرها ومعتقداتها ، وذكر الله تعالى { النبيين } جملة ، ثم خصص بالذكر أفراداً منهم تشريفاً وتخصيصاً ، إذ هؤلاء الخمسة صلى الله عليهم هم أصحاب الكتب والشرائع والحروب الفاصلة على التوحيد وأولو العزم ، ذكره الثعلبي ، وقدم ذكر محمد على مرتبته في الزمن تشريفاً خاصاً له أيضاً ، وروي عنه عليه السلام أنه قال : «كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث{[9463]} » .
وكرر «أخذ الميثاق » لمكان الصفة التي وصف بها قوله { غليظاً } إشعار بحرمة هذا الميثاق وقوتها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.