التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات بهذا القَسَم فقال : { فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } .

والضمير فى قوله { إِنَّهُ } يعود إلى ما سبق الإخبار عنه من أمر البعث والحساب والجزاء والرزق . . . وغير ذلك مما يدل على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به عن ربه .

ولفظ " مثل " منصوب بنزع الخافض ، و " ما " مزيدة للتأكيد أى : فوحق رب السماء والأرض ، إن جميع ما ذكرناه لكم فى هذه السورة ، أو فى هذا القرآن ، حق ثابت لا مرية فيهن كمثل نطقكم الذى تنطقونه بألسنتكم دون أن تشكوا فى كونه قد صدر منكم لا عن غيركم .

فالمقصود بالآية الكريمة ، تأكيد صدق ما أخبر به الله - تعالى - عباده فى هذه السورة وغيرها ، لأن نطقهم بألسنتهم حقيقة لا يجادل فيها مجادل ، وكذلك ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه ، وما تلاه عليهم فى هذه السورة وغيرها ، حق ثابت لا ريب فيه .

وهكذا نرى هذه الآيات قد بشرت المتقين بألوان من البشارات ، ثم لفتت عقول الناس إلى ما فى الأرض وإلى ما فى أنفسهم وإلى ما فى السماء من عظات وعبر

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

بعد أن أكد الكلام بالقسم ب { الذاريات } [ الذاريات : 1 ] وما عطف عليها فرع على ذلك زيادة تأكيد بالقسم بخالق السماء والأرض على أن ما يوعدون حق فهو عطف على الكلام السابق ومناسبته قوله : { وما توعدون } [ الذاريات : 22 ] .

وإظهار اسم السماء والأرض دون ذكر ضميرهما لإدخال المهابة في نفوس السامعين بعظمة الربّ سبحانه .

وضمير { إنه لحقّ } عائد إلى { ما توعدون } [ الذاريات : 22 ] . وهذا من ردّ العجز على المصدر لأنه رد على قوله أول السورة { إن ما توعدون لصادق } [ الذاريات : 5 ] وانتهى الغرض .

وقوله : { مثل ما أنكم تنطقون } زيادة تقرير لوقوع ما أوعدوه بأن شبه بشيء معلوم كالضرورة لا امتراء في وقوعه وهو كون المخاطبين ينطقون . وهذا نظير قولهم : كما أن قبلَ اليوم أمس ، أو كما أن بعد اليوم غداً . وهو من التمثيل بالأمور المحسوسة ، ومنه تمثيل سرعة الوصول لقرب المكان في قول زهير :

فهن ووادِي الرسّ كاليد للفم

وقولهم : مثل ما أنك ها هنا ، وقولهم : كما أنك ترى وتسمع .

وقرأ الجمهور { مثلَ } بالنصب على أنه صفة حال محذوف قصد منه التأكيد . والتقدير : إنه لحق حقاً مثل ما أنكم تنطقون . وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف مرفوعاً على الصفة { لحق } صفة أريد بها التشبيه .

و { ما } الواقعة بعد { مثل } زائدة للتوكيد . وأردفت ب ( أنَّ ) المفيدة للتأكيد تقوية لتحقيق حقية ما يوعدون .

واجتلب المضارع في { تنطقون } دون أن يقال : نطقكم ، يفيد التشبيه بنطقهم المتجدد وهو أقوى في الوقوع لأنه محسوس .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أقسم الرب تعالى بنفسه: {فورب السماء والأرض إنه لحق} يعني لكائن، يعني أمر الساعة {مثل ما أنكم تنطقون} يعني تتكلمون...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مقسما لخلقه بنفسه: فوربّ السماء والأرض، إن الذي قلت لكم أيها الناس: إن في السماء رزقكم وما توعدون لحقّ، كما حقّ أنكم تنطقون...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فوَربّ السماء والأرض إنه لحقٌّ} يحتمل قوله {إنه لحق} أي الساعة والقيامة، ويحتمل {إنه لحق} أي جميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم...

{مثل ما أنكم تنطِقون} يحتمل أن يقول، والله أعلم: كما أنكم لا تشُكّون في ما تنطقون، فعلى ذلك لا تشكّوا في أمر الساعة قيامها وكونها كما يقال: هذا ظاهر بيّن كالنار...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

"مثل ما أنكم تنطقون " وخص النطق من بين سائر الحواس؛ لأن ما سواه من الحواس يدخله التشبيه، كالذي يرى في المرآة، واستحالة الذوق عند غلبة الصفراء ونحوها، والدَّوِيُّ والطنين في الأذن، والنطق سالم من ذلك، ولا يعترض بالصدى لأنه لا يكون إلا بعد حصول الكلام من الناطق غير مشوب بما يشكل به...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فورب} أي مبدع ومدبر {السماء والأرض} بما أودع فيهما مما علمتموه وما لم تعلموه {إنه} أي الذي توعدونه من الخير والشر والجنة والنار وتقدم الإقسام عليه أنه صادق {لحق} أي ثابت يطابقه الواقع فقد جمع الحق مع الصدق {مثل ما أنكم} أي وأنتم مساوون لبقية ما في الأرض من الجمادات وغيرها {تنطقون} نطقاً مجدداً في كل وقت مستمراً، ليس هو بخيال ولا سحر، أي أن ذلك لحق مثل ما أن هذا حق، فالذي جعل لكم قوة النطق من بين ما في الأرض بأسباب لا ترونها وتحصونها، ومع ما عداكم من ذلك بأسباب مثل ذلك- قادر على الإتيان بوعده من الرزق وغيره ما دمتم تحتاجون إلى ذلك...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وكونهم ينطقون، حقيقة بين أيديهم، لا يجادلون فيها ولا يمارون، ولا يرتابون فيها ولا يخرصون.. وكذلك هذا الحديث كله. والله أصدق القائلين...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(فوربّ السماء والأرض إنّه لحقّ مثل ما أنكم تنطقون). وقد بلغ الأمر حدّاً أن يقسم الله على ما لديه من عظمة وقدرة ليُطمئِنَ عباده الشاكّين ضعاف الأنفس الحريصين إنّ ما توعدون في مجال الرزق والثواب والعقاب والقيامة جميعه حقّ ولا ريب في كلّ ذلك...

والتعبير ب (مثل ما أنّكم تنطقون) تعبير لطيف ودقيق إذ يتحدّث عن أكثر الأشياء لمساً، لأنّه قد يخطئ الإنسان في الباصرة أو السمع بأن يتوهّم أنّه سمع أو رأى، إلاّ أنّه لا يمكن أن يتوهّم أنّه قال شيئاً مع أنّه لم يقله...

لذلك فإنّ القرآن يقول: كما أنّ ما تنطقون محسوس عندكم وله واقع، فإنّ الرزق والوعد الإلهي عنده كذلك! ثمّ بعد هذا كلّه فإنّ النطق بنفسه واحد من أكبر الأرزاق والمواهب الإلهيّة التي لم يتمتّع بها أي موجود حيّ سوى الإنسان، وليس بخاف أثر الكلام والنطق في الحياة الاجتماعية وتعليم الناس وتربيتهم وانتقال العلوم وحلّ مشاكل الحياة على أحد.