التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا} (65)

ثم حكى القرآن ما تم لهما بعد أن عادا إلى مكانهما الأول فقال : { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } .

أى : وبعد أن عادا إلى مكان الصخرة عند مجمع البحرين مرة أخرى وجدا { عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ } الصالحين . والتنكير فى { عبدا } للتفخيم ، والإِضافة فى { عبادنا } للتشريف والتكريم .

{ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } أى : هذا العبد الصالح منحناه وأعطيناه رحمة عظيمة من عندنا وحدنا لا من عند غيرنا : واختصصناه بها دون غيره .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا} (65)

المراد بالعبد : الخضر ، ووصف بأنه من عباد الله تشريفاً له ، كما تقدم عند قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده } [ الإسراء : 1 ] .

وعدل عن الإضافة إلى التنكير والصفة لأنه لم يسبق ما يقتضي تعريفه ، وللإشارة إلى أن هذا الحال الغريب العظيم الذي ذكر من قصته ما هو إلا من أحوال عباد كثيرين لله تعالى . وما منهم إلا له مقام معلوم .

وإيتاء الرحمة يجوز أن يكون معناه : أنه جُعل مرحوماً ، وذلك بأن رفق الله به في أحواله . ويجوز أن يكون جعلناه سبب رحمة بأن صرفه تصرفاً يجلب الرحمة العامة . والعلم من لدن الله : هو الإعلام بطريق الوحي .

و ( عند ) و ( لدن ) كلاهما حقيقته اسمُ مكان قريب . ويستعملان مجازاً في اختصاص المضاف إليه بموصوفهما .

و ( من ) ابتدائية ، أي آتيناه رحمةً صدرت من مكان القُرب ، أي الشرف وهو قرب تشريف بالانتساب إلى الله ، وعلماً صدر منه أيضاً . وذلك أن ما أوتيه من الولاية أو النبوءة رحمة عزيزة ، أو ما أوتيه من العلم عزيز ، فكأنهما مما يدخر عند الله في مكان القرب التشريفي من الله فلا يُعطى إلا للمصطفيَن .

والمخالفة بين { من عندنا } وبين { من لدنا } للتفنن تفادياً من إعادة الكلمة .