التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ} (19)

ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك صورة فيها ما فيها من وجوه المقارنات بين مصير الكافرين ومصير المؤمنين ، لكى ينحاز كل ذى عقل سليم إلى فريق الإيمان لا الكفر ، فقال - تعالى - : { هذان خَصْمَانِ . . . } . { هذان خَصْمَانِ . . . } .

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { هذان خَصْمَانِ اختصموا فِي رَبِّهِمْ . . . } روايات أشار الإمام ابن كثير إلى معظمها فقال : " ثبت فى الصحيحين عن أبى ذر : أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية { هذان خَصْمَانِ } نزلت فى حمزة وصاحبيه . وعتبة وصاحبيه ، يوم برزوا فى بدر .

وعن قتادة قال : اختصم المسلمون وأهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، فنحن أولى بالله منكم ، وقال المسلمون : كتابنا يقضى على الكتب كلها ، ونبينا خاتم الأنبياء ، فنحن أولى بالله منكم ، فأفلج الله الإسلام على من ناوأه - أى فنصر الله الإسلام - ، وأنزل الآية .

وعن مجاهد فى الآية : مثل الكافر والمؤمن اختصما فى البعث .

وهذا القول يشمل الأقوال كلها ، وينتظم فيه قصة بدر وغيرها ، فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله ، والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان .

أى : هذا خصمان اختصموا فى ذات ربهم وفى صفاته ، بأن اعتقد كل فريق منهم أنه على الحق ، وأن خصمه على الباطل .

قال الجمل : والخصم فى الأصل مصدر ولذلك يوحد ويذكر غالبا ، وعليه قوله - تعالى - : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب } ويجوز أن يثنى ويؤنث ، ولما كان كل خصم فريقا يجمع طوائف قال : { اختصموا } بصيغة الجمع كقوله - تعالى - : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا } فالجمع مراعاة للمعنى .

وقوله - سبحانه - : { فالذين كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ . . . } تفصيل وبيان لحال كل خصم وفريق .

أى : فالذين كفروا جزاؤهم أنهم قطع الله - تعالى - لهم من النار ثيابا ، وألبسهم إياها .

قال الآلوسى : أى أعد الله لهم ذلك ، وكأنه شبه إعداد النار الحيطة بهم بتقطيع ثياب وتفصيلها لهم على قدر جثثهم . ففى الكلام استعارة تمثيلية تهكمية ، وليس هناك تقطيع ثياب ولا ثياب حقيقة . وكأن جميع الثياب للإيذان بتراكم النار المحيطة بهم ، وكون بعضها فوق بعض . . . وعبر بالماضى ، لأن الإعداد قد وقع ، فليس من التعبير بالماضى لتحققه . . .

وقوله : { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم } زيادة فى عذابهم ، أى : لم تقطع لهم ثياب من نار فحسب ، وإنما زيادة على ذلك يصب من فوق رءوسهم " الحميم " أى : الماء البالغ أقصى درجات الشدة فى الحرارة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞هَٰذَانِ خَصۡمَانِ ٱخۡتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمۡۖ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتۡ لَهُمۡ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوۡقِ رُءُوسِهِمُ ٱلۡحَمِيمُ} (19)

وقوله تعالى : { هذان خصمان } الآية ، اختلف الناس في المشار إليه بقوله { هذان } فقال قيس بن عباد وهلال بن يساف : نزلت هذه الآية في المتبارزين يوم بدر وهو ستة : حمزة ، وعلي ، وعبيدة بن الحارث ، برزوا لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة{[8330]} وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال : أنا أول من يجثو يوم القيامة للخصومة بين يدي الله تعالى يوم القيامة{[8331]} ، وأقسم أبو ذر على هذا القول ع ووقع أن الآية فيهم في صحيح البخاري ، وقال ابن عباس : الإشارة إلى المؤمنين وأهل الكتاب وذلك أنه وقع بينهم تخاصم فقالت اليهود نحن أقوم ديناً منكم ونحو هذا ، فنزلت الآية ، وقال عكرمة : المخاصمة بين الجنة والنار ، وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن بن أبي الحسن وعاصم والكلبي : الإشارة إلى المؤمنين والكفار على العموم ع وهذا قول تعضده الآية ، وذلك أنه تقدم قوله { وكثير من الناس } المعنى هم مؤمنون ساجدون ، ثم قال { وكثير حق عليه العذاب } ثم أشار الى هذين الصنفين بقوله { هذان خصمان } والمعنى أن الإيمان وأهله والكفر وأهله خصمان مذ كانا إلى قيام الساعة بالعداواة والجدال والحرب ، وقوله تعالى : { خصمان } يريد طائفتين لأن لفظة خصم هي مصدر يوصف به الجمع والواحد ويدل على أنه أراد الجمع قوله { اختصموا } فإنها قراءة الجمهور ، وقرأ ابن أبي عبلة «اختصما في ربهم » وقوله { في ربهم } معناه في شأن ربهم وصفاته وتوحيده ، ويحتمل أن يريد في رضاء ربهم وفي ذاته ، ثم بين حكمي الفريقين فتوعد تعالى الكفار بعذاب جهنم ، و { قطعت } معناه جعلت لهم بتقدير ، كما يفصل الثوب ، وروي أنها من نحاس وقيل ليس شيء من الحجارة والفلز أحر منه إذا حمي ، وروي في صب { الحميم } وهو الماء المغلي أنه تضرب رؤوسهم ب «المقامع » فتنكشف أدمغتهم فيصب { الحميم } حينئذ ، وقيل بل يصب أولاً فيفعل ما وصف ، ثم تضرب ب «المقامع » بعد ذلك ، و { الحميم } الماء المغلي .


[8330]:في أسباب النزول للنيسابوري عن قيس بن عبادة قال: سمعت أبا ذر يقول: أقسم بالله لنزلت {هذان خصمان اختصموا في ربهم} في هؤلاء الستة: حمزة، عبيدة، وعلي بن أبي طالب، وعتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة. ثم قال: رواه البخاري عن حجاج ابن منهال، عن هشيم بن هاشم. وفي الدر المنثور: "أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه كان يقسم أن هذه الآية... الخ الحديث".
[8331]:أخرجه ابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، والبيهقي، من طريق قيس بن عبادة.