التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

ثم زاد - سبحانه - هذه القضية توضيحا وتبيينا فقال : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى } .

الزلفى : مصدر كالقربى ، وانتصابه على المصدرية من معنى العامل . أى ليست كثرة أموالكم ، ولا كثرة أولادكم بالتى من شأنها أن تقربكم إلينا قربى ، لأن هذه الكثرة ليست دليل محبة منا لكم ، ولا تكريم منالكم ، وإنما الذى يقربكم منا هو الإِيمان والعمل الصالح .

كما وضح - سبحانه - هذه الحقيقة فى قوله بعد ذلك : { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فأولئك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ } .

أى : ليس الأمر كما زعمتم - أيها المترفون - من أن كثرة الأموال والأولاد ستنجيكم من العذاب ، ولكن الحق والصدق أن الذى ينجيكم من ذلك ويقربكم منا ، هو الإِيمان والعمل الصالح . فهلاء الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة لهم عند الله - تعالى - الجزاء الحسن المضاعف ، وهم فى غرفات الجنات آمنون مطمئنون .

قال الشوكانى ما ملخصه : قوله : { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } هو استثناء منقطع فيكون محله النصب . أى : لكن من آمن وعمل صالحا . . . والإِشارة بقوله : { فأولئك } إلى { مَنْ } والجمع باعتبار المعنى . وهو مبتدأ . وخبره { لَهُمْ جَزَآءُ الضعف } أى : فأولئك يجازيهم الله الضعف ، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول . أو فأولئك لهم الجزاء المضاعف فيكون من إضافة الموصوف إلى الصفة . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ} (37)

ثم أخبرهم بأن أموالهم وأولادهم ليست بمقربة من الله { زلفى } ، والزلفى مصدر بمعنى القرب ، وكأنه قال تقربكم عندنا تقريباً ، وقرأ الضحاك «زلَفًى » بفتح اللام وتنوين الفاء ، وقوله تعالى : { إلا من آمن } استثناء منقطع ، و { من } في موضع نصب بالاستثناء ، وقال الزجاج { من } بدل من الضمير في { تقربكم } ، وقال الفراء { من } في موضع رفع ، وتقدير الكلام ما هو المقرب إلا من آمن ، وقرأ الجمهور «جزاءُ الضعفِ » بالإضافة ، وقرأ قتادة «جزاءُ الضعفُ » برفعها ، وحكى عنه الداني «جزاءَ » بالنصب «الضعفَ » بنصب الفاء ، و { الضعف } هنا اسم جنس أي بالتضعيف إذ بعضهم يجازى إلى عشرة وبعضهم أكثر إلى سبعمائة بحسب الأعمال . ومشيئة الله تعالى فيها ، وقرأ جمهور القراء «في الغرفات » بالجمع ، وقرأ حمزة وحده «في الغرفة » على اسم الجنس يراد به الجمع ، ورويت عن الأعمش وهما في القراءة حسنتان ، قال أبو علي : وقد يجيء هذا الجمع بالألف والتاء «الغرفات » ونحوه للتكثير ومنه قول حسان بن ثابت :

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى . . . وأسيافنا يقطرن من نجدة دما{[9666]}

فلم يرد إلا كثرة جفان .

قال الفقيه الإمام القاضي : وتأمل نقد الأعشى في هذا البيت ، وقرأ الأعمش والحسن وعاصم بخلاف في «الغرْفات » بسكون الراء .


[9666]:البيت من قصيدة في الفخر، بدأها حسان بقوله:"ألم تسأل الربع الجديد التكلما"، والجفنة: القصعة، وجمعها: جفان وجفن، وفي التنزيل العزيز:{وجفان كالجواب}، وفي أمثال العرب:"ادع إلى طعانك من تعو إلى جفانك". ويقطرن: ينزل منها الدم قطرة قطرة، والنجدة: الشجاعة في القتال وسرعة الإغاثة. ونقد الأعشى للبيت مشهور وموجود في كتب الأدب.