التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

ثم رغبهم - سبحانه - فى الثبات على الإيمان بالله ورسوله فقال : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله والرسول يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } .

أى : وأى مانع يمنعكم من الثبات على الإيمان . ومن القيام بتكاليفه ، ومن إخلاص العبادة له - تعالى - وحده ، والحال أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينكم صباح مساء ، يدعوكم إلى الإيمان بربكم ، وقد أخذ - سبحانه - عليكم العهود والمواثيق على هذا الإيمان ، عن طريق ما ركب فيكم من عقول تعقل ، وعن طريق ما نصب لكم من أدلة متنوعة كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله الواحد القهار .

قال : الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : أى : وأى شىء يمنعكم من الإيمان ، والرسول بين أظهركم يدعوكم إلى ذلك ، ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به .

وقد روينا فى الحديث من طرق ، فى أوائل شرح كتاب الإيمان من صحيح البخارى ، " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما لأصحابه : " أى المؤمنين أعجب إليكم إيمانا ؟ " قالوا : الملائكة .

قال : " وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ " قالوا : فالأنبياء قال : " ومالهم لا يؤمنون والوحى ينزل عليهم " قالوا : فنحن ، قال : " فما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم ، يجدون صحفا يؤمنون بما فيها " " .

وقوله - تعالى - : { وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ } كما قال - تعالى - : { واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا . . } ويعنى بذلك بيعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

وزعم ابن جرير : أن المراد بذلك : الميثاق الذى أخذ عليهم فى صلب آدم .

وجواب الشرط فى قوله - تعالى - : { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } محذوف لدلالة ما قبله عليه .

أى : إن كنتم مؤمنين لسبب من الأسباب ، فعلى رأس هذه الأسباب وجود الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينكم يدعوكم إلى هذا الإيمان ويقنعكم بوجوب الاعتصام به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

وقوله تعالى : { وما لكم لا تؤمنون بالله } الآية توطئة لدعائهم وإيجاب لأنهم أهل هذه الرتب الرفيعة فإذا تقرر ذلك فلا مانع من الإيمان ، وهذا كما تريد أن تندب رجلاً إلى عطاء فتقول له : أنت يا فلان من قوم أجواد فينبغي أن تكرم ، وهذا مطرد في جميع الأمور إذا أردت من أحد فعلاً خلقته بخلق أهل ذلك الفعل وجعلت له رتبتهم ، فإذا تقرر في هؤلاء أن الرسول يدعو وأنهم ممن أخذ الله ميثاقهم فكيف يمتنعون من الإيمان .

وقرأ جمهور القراء : «وقد أَخذ » على بناء الفعل للفاعل . وقرأ أبو عمرو : «قد أُخذ » على بناء الفعل للمفعول والآخذ على كل قول هو الله تعالى ، وهو الآخذ حين الإخراج من ظهر آدم على ما مضى في غير هذه السورة{[10953]} ، والمخاطبة ببناء الفعل للمفعول أشد غلظة على المخاطب ، ونحوه قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت }{[10954]} [ هود : 112 ] وكما تقول لامرئ : افعل كما قيل لك ، فهو أبلغ من قولك : افعل ما قلت لك .

وقوله : { إن كنتم مؤمنين } قال الطبري المعنى : إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فالآن .

قال القاضي أبو محمد : وهذا معنى ليس في ألفاظ الآية وفيه إضمار كثير ، وإنما المعنى عندي أن قوله : وإن الرسول { يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين } ، يقتضي أن يقدر بأثره : فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة إن كنتم مؤمنين ، أي إن دمتم على ما بدأتم به .


[10953]:عند تفسير قوله تعالى:{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم}، الآية(172) من سورة (الأعراف). (جـ6 ص134).
[10954]:من الآية (112) من سورة (هود).