التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّـٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّـٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا} (4)

ثم ذكر - سبحانه - أحكاما أخرى تتعلق بعدة أنواع أخرى من النساء وأكد الأمر بتقواه - عز وجل - وأمر برعاية النساء والانفاق عليهن . . . فقال - تعالى - : { واللائي يَئِسْنَ . . . } .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نِّسَآئِكُمْ } لما بين - سبحانه - أمر الطلاق والرجعة فى التى تحيض ، وكانوا قد عرفوا عدة ذوات الأقراء ، عرفهم - سبحانه - فى هذه السورة عدة التى لا ترى الدم .

وقال أبو عثمان عمر بن سالم : لما نزلت عدة النساء فى سورة " البقرة " فى المطلقة والمتوفى عنها زوجها ، قال أبى بن كعب : يا رسول الله ، إن ناسا يقولون قد بقى من النساء من لم يذكر فيهن شىء ، الصغار وذوات الحمل ، فنزلت هذه الآية .

وقال مقاتل : لما ذكر - سبحانه - قوله : { والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء . . . } قال خلاد بن النعمان : يا رسول الله فما عدة التى لم تحض ، وما عدة التى انقطع حيضها ، وعدة الحبلى ، فنزلت هذه الآية . .

وجملة : { واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض . . } معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ . . } لبيان أحكام أخرى تتعلق بعدة نوع آخر من النساء بعد بيان عدة النساء ذوات الأقراء .

والمراد باللائى يئسن من المحيض : النساء اللائى تقدمن فى السن ، وانقطع عنهن دم الحيض .

وقوله : { يَئِسْنَ } من اليأس ، وهو فقدان الأمل من الحصول على الشىء .

والمراد بالمحيض : دم الحيض الذى يلفظه رحم المرأة فى وقت معين ، وفى حال معينة . .

وقوله : { إِنِ ارتبتم } من الريبة بمعنى الشك .

قوله : { واللائي } اسم موصول مبتدأ ، وقوله { يَئِسْنَ } صلته ، وجملة الشرط والجزاء وهى قوله : { إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ } خبره .

والمعنى : لقد بينت لكم - أيها المؤمنون - عدة النساء المعتدات بالمحيض ، أما النساء المتقدمات فى السن واللائى فقدن الأمل فى رؤية دم الحيض ، فعليكم إن ارتبتم ، وشككتم فى عدتهن أو جهلتموها ، أن تقدروها بثلاثة أشهر .

هذا ، وقد قدر بعضهم سن اليأس بالنسبة للمرأة بستين سنة ، وبعضهم قدره بخمس وخمسين سنة .

وبعضهم لم يحدده بسن معينة ، بل قال : إن هذا السن يختلف باختلاف الذوات والأفطار والبيئات . . . كاختلاف سن ابتداء الحيض .

وقوله - تعالى - : { واللائي لَمْ يَحِضْنَ } معطوف على قوله : { واللائي يَئِسْنَ } وهو مبتدأ وخبره محذوف لدلالة ما قبله عليه .

والتقدير : واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ، إن إرتبتم فى عدتهن ، فعدتهن ثلاثة أشهر ، واللاتى لم يحضن بعد لصغرهن ، وعدم بلوغهن سن المحيض . . فعدتهن - أيضا - ثلاثة أشهر .

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان عدة المرأة ذات الحمل ، فقال - تعالى - : { وَأُوْلاَتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ . . } .

وقوله : { وَأُوْلاَتُ } : اسم جمع للفظ ذات . بمعنى صاحبة ، لأنه لا مفرد لكلمة { أُوْلاَتُ } من لفظها ، كما أنه لا مفرد من لظفها لكلمة " أولو " التى هى بمعنى أصحاب ، وإنما مفردها " ذو " .

والأحمال : جمع حمل - بفتح الحاء - كصحب وأصحاب ، والمراد به : الجنين الذى يكون فى بطن المرأة .

والأجل : انتهاء المدة المقدرة للشىء .

وقوله : { أُوْلاَتُ . . } مبتدأ ، و { أَجَلُهُنَّ } مبتدأ ثان ، وقوله : { أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } خبر المبتدأ الثانى ، والمبتدأ وخبره ، خبر الأولى .

والمعنى : والنساء ذوات الأحمال { أَجَلُهُنَّ } أى : نهاية عدتهن ، أن يضعن ما فى بطونهن من حمل ، فمتى وضعت المرأة ما فى بطنها ، فقد انقضت عدتها ، لأنه ليس هناك ما هو أدل على براءة الرحم ، من وضع الحمل .

وهذا الحكم عام فى كل ذوات الأحمال ، سواء أكن مطلقات ، أم كن قد توفى عنهن أزواجهن .

وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث التى تؤيد ذلك ، ومن تلك الأحاديث ما رواه الشيخان ، من أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد موت زوجها بأربعين ليلة ، فخطبت فأنكحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحد أصحابه .

وعن أبى بن كعب قال : قلت للنبى - صلى الله عليه وسلم - : { وَأُوْلاَتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } : للمطلقة ثلاثا وللمتوفى عنها زوجها ؟ فقال : هى للمطلقة ثلاثا وللمتوفى عنها .

قالوا : ولا تعار بين هذه الآية ، وبين قوله - تعالى - فى سورة البقرة { والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً . . . } لأن آية سورة البقرة ، خاصة بالنساء اللائى توفى عنهن أزواجهن ولم يكن هؤلاء النساء من ذوات الأحمال .

وفى هذه المسألة أقوال أخرى مبسوطة فى مظانها . . .

ثم كرر - سبحانه - الأمر بتقواه ، وبشر المتقين بالخير العميم فقال : { وَمَن يَتَّقِ الله } - تعالى - فينفذ ما كلف به . وبتعد عما نهى عنه .

{ يَجْعَل لَّهُ } سبحانه { مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } أى : يجعل له من الأمر العسير أمرا ميسورا . ويحول له الأمر الصعب إلى أمر سهل ، لأنه - سبحانه - له الخلق والأمر . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّـٰٓـِٔي يَئِسۡنَ مِنَ ٱلۡمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمۡ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَٰثَةُ أَشۡهُرٖ وَٱلَّـٰٓـِٔي لَمۡ يَحِضۡنَۚ وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا} (4)

{ اللائي } : هو جمع ذات في ما حكى أبو عبيدة وهو ضعيف ، والذي عليه الناس أنه : جمع التي ، وقد يجيء جمعاً للذي ، واليائسات من المحيض على مراتب ، فيائسة هو أول يأسها ، فهذه ترفع إلى السنة ، ويبقيها الاحتياط على حكم من ليست بيائسة ، لأنَّا لا ندري لعل الدم يعود ، ويائسة قد انقطع عنها الدم لأنها طعنت في السن ثم طلقت ، وقد مرت عادتها بانقطاع الدم ، إلا أنها مما يخاف أن تحمل نادراً فهذه التي في الآية على أحد التأولين في قوله : { إن ارتبتم } وهو قول من يجعل الارتياب بأمر الحمل وهو الأظهر ، ويائسة قد هرمت حتى تتيقن أنها لا تحمل ، فهذه ليست في الآية ، لأنها لا يرتاب بحملها ، لكنها في حكم الأشهر الثلاثة إجماعاً فيما علمت ، وهي في الآية على تأويل من يرى قوله : { إن ارتبتم } ، في حكم اليائسات ، وذلك أنه روى إسماعيل بن أبي خالد أن قوماً منهم أبي بن كعب وخلاد بن النعمان{[11164]} لما سمعوا قول الله عز وجل : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }{[11165]} [ البقرة : 228 ] قالوا يا رسول الله : فما عدة من لا قرء لها من صغر أو كبر ؟ فنزلت الآية ، فقال قائل منهم : فما عدة الحامل ؟ فنزلت : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }{[11166]} ، وقد تقدم ذكر الخلاف في تأويل : { إن ارتبتم } ، { وأولات } جمع ذات ، وأكثر أهل العلم على أن هذه الآية تعم الحوامل المطلقات والمعتدات من الوفاة والحجة حديث سبيعة الأسلمية قالت : كنت تحت سعد بن خولة فتوفي في حجة الوداع ، ووضعت حملها قبل أربعة أشهر ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : «قد حللت » وأمرها أن تتزوج{[11167]} ، وقال ابن مسعود : نزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى ، يعني أن قوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } نزلت بعد قوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً }{[11168]} [ البقرة : 234 ] ، وقال ابن عباس وعلي بن أبي طالب : إنما هذه في المطلقات ، وأما في الوفاة فعدة الحامل آخر الأجلين إن وضعت قبل أربعة أشهر وعشر تمادت إلى آخرها ، والقول الأول أشهر ، وعليه الفقهاء ، وقرأ الضحاك : «أحمالهن » على الجمع ، وأمر الله تعالى بإسكان المطلقات ولا خلاف في ذلك في التي لم تبت . وأما المبتوتة ، فمالك رحمه الله يرى لها السكنى لمكان حفظ النسب ، ولا يرى لها نفقة ، لأن النفقة بإزاء الاستمتاع ، وهو قول الأوزاعي والشافعي وابن أبي ليلى وابن عبيد وابن المسيب والحسن وعطاء والشعبي وسليمان بن يسار ، وقال أصحاب الرأي والثوري : لها السكنى والنفقة ، وقال جماعة من العلماء : ليس لها السكنى ولا نفقة .


[11164]:جاء في الإصابة أنه خلاد بن النعمان الأنصاري، وأن مقاتل أبو سليمان ذكر في تفسيره أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عدة التي لا تحيض، فنزلت{واللائي يئسن من المحيض} الآية.
[11165]:من الآية (228) من سورة (البقرة).
[11166]:أخرجه عبد الرزاق، وابن المنذر، من طريق الثوري، عن إسماعيل، هكذا قال السيوطي في "الدر المنثور"، وليس في النص الذي أورده ذكر لمن سأل الرسول صلى الله عليه وسلم.
[11167]:أخرجه ابن أبي شيبة، وابن مردويه، عن سبيعة الأسلمية، وفيه أنها وضعت بعد وفات زوجها بخمس وعشرين ليلة، وأخرج مثله ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن مردويه، عن أبي السنابل بن بعكك، وفيه أن سُبيعة وضعت بعد وفاة زوجها بثلاث وعشرين ليلة، وفي رواية لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، عن المسور بن مخرمة أنها لم تمكث إلا ليالي يسيرة.(الدر المنثور).
[11168]:من الآية (234) من سورة (البقرة).