التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك الحكمة من أمره له صلى الله عليه وسلم بقيام الليل إلا قليلا منه للعبادة والطاعة فقال : { إِنَّ نَاشِئَةَ الليل هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } .

وقوله : { نَاشِئَةَ } : وصف من النشء وهو الحدوث ، وهو صفة لموصوف محذوف . وقوله : { وَطْأً } بمعنى مواطأة وموافقة ، وأصل الوطء : وضع الرجل على الأرض بنظام وترتيب ، ثم استعير للموافقة ، ومنه قوله - تعالى - { لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله } ومنه قولهم : وطأت فلانا على كذا ، إذا وافقته عليه . وهو منصوب على التمييز . وقوله : { قِيلاً } بمعنى قولا .

وقوله : { وَأَقْوَمُ } بمعنى أفضل وأنفع .

والمعنى : يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا منه للعبادة والطاعة . فإن العبادة الناشئة بالليل . هى أشد مواطأة وموافقة لإِصلاح القلب ، وتهذيب النفس ، وأقوم قولا ، وأنفع وقعا ، وأفضل قراءة من عبادة النهار ، لأن العبادة الناشئة بالليل يصحبها ما يصحبها من الخشوع والإِخلاص ، لهدوء الأصوات بالليل ، وتفرغ العابد تفرغا تاما لعبادة ربه .

قال الشوكانى ما ملخصه : قوله : { إِنَّ نَاشِئَةَ الليل . . . } أى : ساعاته وأوقاته ، لأنها تنشأ أولا فأولا ، ويقال : نشأ الشئ ينشأ ، إذا ابتدأ وأقبل شيئا بعد شئ ، فهو ناشئ . . قال الزجاج : ناشئة الليل ، كل ما نشأ منه ، أى : حدث منه . . والمراد ساعات الليل الناشئة ، فاكتفى بالوصف عن الاسم الموصوف .

وقيل : إن ناشئة الليل ، هى النفس التى تنشأ من مضجعها للعبادة ، أى : تنهض ، من نشأ من مكانه ، إذا نهض منه .

{ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً } قرأ الجمهور { وَطْأً } بفتح الواو وسكون الاء مقصورة ، وقرأ بعضهم { وَطْأً } بكسر الواو وفتح الطاء ممدودة .

والمعنى على القراءة الأولى : أن الصلاة الناشئة فى الليل ، أثقل على المصلى من صلاة النهار ، لأن الليل للنوم .

. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم أشدد وطأتك على مضر " .

والمعنى على القراءة الثانية : أنها أشد مواطأة وموافقة بين السمع والبصر والقلب واللسان ، لانقطاع الأصوات والحركات ، ومنه قوله - تعالى - : { لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله } أى : ليوافقوا .

{ وَأَقْوَمُ قِيلاً } أى : وأشد مقالا . وأثبت قراءة ، لحضور القلب فيها ، وهدوءالأصوات ، وأشد استقامة واستمرارا على الصواب . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا} (6)

وقوله تعالى : { إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً } ، قال ابن جبير وابن زيد هي لفظة حبشية نشأ الرجل إذا قام من الليل ، ف { ناشئة } على هذا ، جمع ناشئ ، أي قائم ، و { أشد وطئاً } معناه ثبوتاً واستقلالاً بالقيام ، { وأقوم قيلاً } ، أي بخلو أفكارهم وإقبالهم على ما يقرأونه .

وقال ابن عمر وأنس بن مالك وعلي بن الحسين : { ناشئة الليل } ما بين المغرب والعشاء ، وقالت عائشة ومجاهد : القيام بعد النوم ، ومن قام أول الليل قبل النوم فلم يقم ناشئة ، وقال ابن جبير وابن زيد وجماعة : { ناشئة الليل } ساعاته كلها لأنها تنشأ شيئاً بعد شيء . وقال أبو مجلز وابن عباس وابن الزبير والحسن : ما كان بعد العشاء فهو { ناشئة } ، وما كان قبلها فليس ب { ناشئة } ، قال ابن عباس : كانت صلاتهم أول الليل فهي { أشد وطئاً } أي أجدر أن يحصوا ما فرض الله عليكم من القيام لأن الإنسان إذا نام لا يدري متى يستيقظ ؟ وقال الكسائي : { ناشئة الليل } أوله ، وقال ابن عباس وابن الزبير : الليل كله { ناشئة } و { أشد وطئاً } ، على هذا يحتمل أن يكون أشد ثبوتاً فيكون نسب الثبوت إليها من حيث هو القائم فيها .

ويحتمل أن يريد أنها صعبة القيام لمنعها النوم كما قال «اللهم اشدد وطأتك على مضر {[11391]} » فذكرها تعالى بالصعوبة ليعلم عظم الأجر فيها كما وعد على الوضوء على المكاره والمشي في الظلام إلى المساجد ونحوه . وقرأ الجمهور : «وَطْئاً » بفتح الواو وسكون الطاء ، وقرأ أبو عمرو ومجاهد وابن الزبير وابن عباس : «وطاء » على وزن فعال ، والمعنى موافقة لأنه يخلو البال من أشغال النهار وأشغابه ، فيوافق قلب المرء لسانه ، وفكره عبارته فهذه مواطأة صحيحة ، وبهذا المعنى فسر اللفظ مجاهد وغيره ، وقرأ قتادة في رواية حسين : «وِطاء » بكسر الواو وسكون الطاء والهمزة مقصورة{[11392]} ، وقرأ أنس «وأصوب قيلاً » ، فقيل له إنما هو { أقوم } ، فقال : أقوم وأصوب وأهيأ واحد .


[11391]:هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في الأذان والاستسقاء والجهاد والأنبياء وتفسير سورة النساء والأدب، ومسلم في المساجد، وأبو داود في الصلاة والوتر، والنسائي في التطبيق، وابن ماجه في الإقامة، وأحمد في مسنده (2/239،255،271) ولفظه كما جاء فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه (لما رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الآخرة من صلاة الصبح قال: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف).
[11392]:يعني غير محدودة كالقراءة السابقة.