التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (64)

ثم بين - سبحانه - هو إن هذه الحياة الدنيا ، بالنسبة للدار الآخرة فقال : { وَمَا هذه الحياة الدنيآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } .

واللهو : اشتغال الإِنسان بما لا يعنيه ولا يهمه . أو هو الاستمتاع بملذات الدنيا .

واللعب : العبث . وهو فعل لا يقصد به مقصد صحيح .

أى : أن هذه الحياة الدنيا ، وما فيها من حطام ، تشبه فى سرعة انقضائها وزوال متعها ، الأشياء التى يلهو بها الأطفال ، يجتمعون عليها وقتاً ، ثم ينفضون عنها .

أما الدار الآخرة ، فهى دار الحياة الدائمة الباقية ، التى لا يعقبها موت ، ولا يعتريها فناء ولا انقضاء .

ولفظ " الحيوان " مصدر حى . سمى به ذو الحياة ، والمارد به هنا : نفس الحياة الحقة .

وقوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أى : لو كانوا يعلمون حق العلم ، لما آثروا متع الدنيا الفانية على خيرات الآخرة الباقية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (64)

{ وما هذه الحياة الدنيا } إشارة تحقير وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة . { إلا لهو ولعب } إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين . { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } لهي دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت عليها ، أو هي في ذاتها حياة للمبالغة ، و{ الحيوان } مصدر حي سمي به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها ها هنا . { لو كانوا يعلمون } لم يؤثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة والحياة فيها عارضة سريعة الزوال .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَهۡوٞ وَلَعِبٞۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (64)

هذا الكلام مبلَّغ إلى الفريقين اللذين تضمنهما قوله تعالى : { بل أكثرهم لا يعقلون } [ العنكبوت : 63 ] فإن عقلاءهم آثروا باطل الدنيا على الحق الذي وضح لهم ، ودهماءهم لم يشعروا بغير أمور الدنيا ، وجميعهم أنكروا البعث فأعقب الله ما أوضحه لهم من الدلائل بأن نبههم على أن الحياة الدنيا كالخيال وأن الحياة الثانية هي الحياة الحق . والمراد بالحياة ما تشتمل عليه من الأحوال وذلك يسري غلى الحياة نفسها .

واللهو : ما يلهو به الناس ، أي يشتغلون به عن الأمور المكدرة أو يعْمرون به أوقاتهم الخلية عن الأعمال .

واللعب : ما يقصد به الهزل والانبساط . وتقدم تفسير اللعب واللهو ووجه حصر الحياة الدنيا فيهما عند قوله تعالى : { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } في سورة الأنعام [ 32 ] . والحصر : ادعائي كما تقدم . وقد زادت هذه الآية بتوجيه اسم الإشارة إلى الحياة وعهي إشارة تحقير وقلة اكتراث ، كقول قيس بن الخطيم مشيراً إلى الموت :

متى يأت هذا الموتُ لا يُلف حَاجة *** لنفسيَ إلا قَد قضيتُ قضاءها

ولم توجه الإِشارة إلى الحياة في سورة الأنعام . ووجه ذلك أن هذه الآية لم يتقدم فيها ما يقتضي تحقير الحياة فجيء باسم الإِشارة لإفادة تحقيرها ، وأما آية سورة الأنعام فتقدم قوله : { حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما قرطنا فيها } [ الأنعام : 31 ] فذُكر لهم في تلك الآية ما سيظهر لهم إذا جاءتهم الساعة من ذهاب حياتهم الدنيا سُدى . وأمر تقديم ذكر اللهو هنا وذكر اللعب في سورة الأنعام فلأن آية سورة الأنعام لم تشتمل على اسم إشارة يقصد منه تحقير الحياة الدنيا فكان الابتداء بأنها لعب مشيراً إلى تحقيرها لأن اللعب أعرق في قلة الجدوى من اللهو .

ولما أشير في هذه الآية إلى الحياة الآخرة في قوله { فأحيا به الأرض من بعد موتها } [ العنكبوت : 63 ] زاده تصريحاً بأن الحياة الآخرة هي الحياة الحق فصيغ لها وزن الفعلان الذي هو صيغة تنبئ عن معنى التحرك توضيحاً لمعنى كمال الحياة بقدر المتعارف ، فإن التحرك والاضطراب أمارة على قوة الحيوية في الشيء مثل الغليان واللهبان . وهم قد جهلوا الحياة الآخرة من أصلها فلذلك قالوا { لو كانوا يعلمون } . وجواب { لو } محذوف دليله ما تقدم ، أو هو الجواب مقدّماً .