التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (22)

ثم بين - سبحانه - الحالة التى يرون فيها الملائكة فقال : { يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } .

أى : لقد طلب هؤلاء الظالمون نزول الملائكة عليهم ، ورؤيتهم لهم . ونحن سنجيبهم إلى ما طلبوه ولكن بصورة أخرى تختلف اختلافا كليا عما يتوقعونه ، إننا سنريهم الملائكة عند قبض أرواحهم وعند الحساب بصورة تجعل هؤلاء الكافرين يفزعون ويهلعون . بصورة لا تبشرهم بخير ولا تسرهم رؤيتهم معها ، بل تسوءهم وتحزنهم ، كما قال - تعالى - : { وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ . . } وكما قال - سبحانه - : { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف . لبيان حالهم الشنيعة عندما تنزل عليهم الملائكة . بعد بيان تجاوزهم الحد فى الطغيان وفى طلب ما ليس من حقهم .

والمراد بالملائكة هنا : ملائكة العذاب الذين يقبضون أرواحهم ، والذين يقودونهم إلى النار يوم القيامة .

وقال - سبحانه - : { يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة . . . } ولم يقل : يوم تنزل الملائكة ، للإيذان من أول الأمر بأن رؤيتهم لهم ليست على الطريقة التى طلبوها ، بل على وجه آخر فيه ما فيه من العذاب المهين لهؤلاء الكافرين .

وجاء نفى البشرى لهم بلا النافية للجنس للمبالغة فى نفى أى بارقة تجعلهم يأملون فى أن ما نزل بهم من سوء ، قد يتزحزح عنهم فى الحال أو الاستقبال .

قال الجمل فى حاشيته : وقوله { لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } هذه الجملة معمولة لقول مضمر . أى : يرون الملائكة يقولون لا بشرى . فالقول حال من الملائكة وهو نظير التقدير فى قوله - تعالى - : { . . . يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم . . . } وكل من الظرف والجار والمجرور خبر عن لا النافية للجنس .

وقوله - تعالى - : { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } تأكيد لما قبله من أنه لا خير لهؤلاء الكافرين من وراء رؤيتهم للملائكة .

والحجر - بكسر الحاء وفتحها - الحرام ، وأصله المنع . ومحجورا صفة مؤكدة للمعنى ، كما فى قولهم : موت مائت . وليل أليل . وحرام محرم .

قال الآلوسى : وهى - أى : حجرا محجورا - كلمة تقولها العرب عند لقاء عدو موتور ، وهجوم نازلة هائلة ، يضعونها موضع الاستعاذة ، حيث يطلبون من الله - تعالى - أن يمنع المكروه فلا يلحقهم ، فكأن المعنى ، نسأل الله - تعالى - أن يمنع ذلك منعا ، ويحجره حجرا .

وقال الخليل : كان الرجل يرى الرجل الذى يخاف منه القتل فى الجاهلية فى الأشهر الحرم فيقول : حجرا محجورا . أى : حرام عليك التعرض لى فى هذا الشهر فلا يبدأ بشر .

والقائلون لهذا القول يرى بعضهم أنهم الملائكة ، فيكون المعنى : تقول الملائكة للكفار حجرا محجورا . أى : حراما محرما أن تكون لكم اليوم بشرى . أو أن يغفر الله لكم ، أو أن يدخلكم جنته .

وقد رجح ابن جرير ذلك فقال ما ملخصه : وإنما اخترنا أن القائلين هم الملائكة من أجل أن الحجر هو الحرام . فمعلوم أن الملائكة هى التى تخبر أهل الكفر ، أن البشرى عليهم حرام . . .

ويبدو لنا أنه لا مانع من أن يكون هذا القول من الكفار ، فيكون المعنى : أن هؤلاء الكفار الذين طلبوا نزول الملائكة عليهم ليشهدوا لهم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يرونهم عند الموت أو عند الحساب يقولون لهم بفزع وهلع : " حجرا محجورا " أى : حراما محرما عليكم أن تنزلوا بنا العذاب ، فنحن لم نرتكب ما نستحق بسببه هذا العذاب المهين ، ولعل مما يشهد لهذا المعنى قوله - تعالى - : { الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السلم مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين } وعلى كلا الرأيين فالجملة الكريمة تؤكد سوء عاقبة الكافرين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (22)

{ يوم يرون الملائكة } ملائكة الموت أو العذاب ، و{ يوم } نصب باذكر أو بما دل عليه { لا بشرى يومئذ للمجرمين } فإنه بمعنى يمنعون البشرى أو يعدمونها ، و { يومئذ } تكرير أو خبر و { للمجرمين } تبيين أو خبر ثان أو ظرف لما يتعلق به اللام ، أول { بشرى } إن قدرت منونة غير مبينة مع { لا } فإنها لا تعمل ، ولل { مجرمين } إما عام يتناول حكمه حكمهم من طريق البرهان ولا يلزم عن نفي البشرى لعامة المجرمين حينئذ نفي البشرى بالعفو والشفاعة في وقت آخر ، وإما خاص وضع موضع ضميرهم تسجيلا على جرمهم وإشعارا بما و المانع للبشرى والموجب لما يقابلها . { و ويقولون حجرا محجورا } عطف على المدلول أي ويقول الكفرة حينئذ ، هذه الكلمة استعاذة وطلبا من الله تعالى أن يمنع لقاءهم وهي مما كانوا يقولون عند لقاء عدو أو هجوم مكروه ، أو تقولها الملائكة بمعنى حراما عليكم الجنة أو البشرى . وقرىء { حُجرا } بالضم وأصله الفتح غير أنه لما اختص بموضع مخصوص غير كقَعدَك وعمرك ولذلك لا يتصرف فيه ولا يظهر ناصبه ، ووصفه بمحجورا للتأكيد كقولهم : موت مائت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ لَا بُشۡرَىٰ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُجۡرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا} (22)

المعنى في هذه الآية أن الكفار لما قالوا { لولا أُنزل علينا الملائكة } [ الفرقان : 21 ] ، أخبر الله تعالى أنهم { يوم يرون الملائكة } إنما هو يوم القيامة ، وقد كان أول الآية يحتمل أن يريد يوم تفيض أرواحهم ، لكن آخرها يقتضي أن الإشارة إلى يوم القيامة ، وأمر العوامل في هذه الظروف بين إذا تأمل فاختصرناه لذلك ، ومعنى هذه الآية أن هؤلاء الذين تمنّوا نزول الملائكة لا يعرفون ما قدر الله في ذلك فإنهم { يوم يرون الملائكة } هو شر لهم و { لا بشرى } لهم بل لهم الخسار ولقاء المكروه و { يومئذ } ، خبر { لا بشرى } لأن الظروف تكون إخباراً عن المصادر .

الضمير في قوله { ويقولون } ، قال الحسن وقتادة والضحاك ومجاهد هو ل { لملائكة } ، المعنى وتقول الملائكة للمجرمين { حجراً محجوراً } عليكم البشرى ، أي حراماً محرماً . والحجر الحرم ومنه قول المتلمس جرير بن عبد المسيح : [ البسيط ] .

حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها . . . حجر حرام الا تلك الدهاريس{[8807]}

وقال مجاهد أيضاً وابن جريج إن الضمير في قوله { ويقولون } هو للكفار المجرمين قال ابن جريج كانت العرب إذا كرهوا شيئاً قالوا حجراً ، قال مجاهد { حجراً } عوذاً ، يستعيذون من الملائكة{[8808]} .

قال الفقيه الإمام القاضي : ويحتمل أن يكون المعنى ويقولون حرام محرم علينا العفو ، وقد ذكر أبو عبيدة أن هاتين اللفظتين عوذة للعرب يقولها من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا المعنى هو مقصد بيت المتلمس الذي تقدّم ، أي هذا الذي حننت إليه ممنوع . وقرأ الحسن وأبو رجاء «حُجراً » بضم الحاء ، والناس على كسرها .


[8807]:جرير بن عبد المسيح عرف باسم المتلمس، والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن، وهو في (اللسان- دهرس)، والرواية فيه: (حجت) بدلا من (حنت)، وحنت: اشتاقت، والنخلة القصوى: موضع على ليلة من مكة، وحجر (بالحاء المثلثة): حرام، والدهاريس: الدواهي واحدها دهرس (بكسر الدال وضمها). والضمير في (حنت) يعود على ناقته، يقول لها بعد أن حنت إلى تلك النخلة: ممنوع عليك تلك الأماكن. وفي معجم البكري روي البيت: (بسل عليك) بدلا من (حجر حرام)، والمعنى واحد
[8808]:قال الليث: "ظنوا أن ذلك ينفعهم كفعلهم في الدنيا".