التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

ثم نهاه - سبحانه - عن فعل ، لا يتناسب مع خلقه الكريم صلى الله عليه وسلم فقال : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } والمن : أن يعطى الإِنسان غيره شيئا ، ثم يتباهى به عليه ، والاستكثار : عد الشئ الذى يعطى كثيرا .

أى : عليك - أيها الرسول الكريم - أن تبذل الكثير من مالك وفضلك لغيرك ، ولا تظن أن ما أعطيته لغيرك كثيرا - مهما عظم وجل - فإن ثواب الله وعطاءه أكثر وأجزل . .

ويصح أن يكون المعنى : ولا تعط غيرك شيئا ، وأنت تتمنى أن يرد لك هذا الغير أكثر مما أعطيته ، فيكون المقصود من الآية : النهى عن تمنى العوض .

قال ابن كثير : قوله : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } قال ابن عباس : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها .

وقال الحسن البصرى : لا تمنن بعملك على ربك تستكثره ، وعن مجاهد : لا تضعف أن تستكثر من الخير .

وقال ابن زيد : لا تمنن بالنبوة على الناس : تستكثرهم بها ، تأخذ على ذلك عوضا من الدنيا .

فهذه أربعة أقوال ، والأظهر القول الأول - المروى عن ابن عباس وغيره - .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

ولا تمنن تستكثر أي لا تعط مستكثرا نهى عن الاستفزاز وهو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر نهي تنزيه أو نهيا خاصا به لقوله صلى الله عليه وسلم المستفزز يثاب من هبته والموجب له ما فيه من الحرص والضنة أو لا تمنن على الله تعالى بعبادتك مستكثرا إياها أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الأجر منهم أو مستكثرا إياه وقرئ تستكثر بالسكون للوقف أو الإبدال من تمنن على أنه من بكذا أو تستكثر بمعنى تجده كثيرا وبالنصب على إضمار أن وقد قرئ بها وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها وإبطال عملها كما روي احضر الوغى بالرفع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى : { ولا تمنن تستكثر } . فقال ابن عباس وجماعة معه : لا تعط عطاء لتعطى أكثر منه ، فكأنه من قولهم ، من إذا أعطى ، قال الضحاك ، وهذا خاص بالنبي عليه السلام ، ومباح لأمته لكن لا أجر لهم فيه . قال مكي : وهذا معنى قوله تعالى : { وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله }{[11413]} [ الروم : 39 ] ، وهذا معنى أجنبي من معنى هذه السورة . وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال : { ولا تمنن تستكثر } لا تقل دعوت فلم أجب وروى قتادة أن المعنى لا تدل بعملك{[11414]} ، ففي هذا التأويل تحريض على الجد وتخويف ، وقال ابن زيد : معناه { ولا تمنن } على الناس بنبوءتك { تستكثر } بأجر أو بكسب تطلبه منهم . وقال الحسن بن أبي الحسن : معناه { ولا تمنن } على الله بجدك { تستكثر } أعمالك ويقع لك بها إعجاب ، فهذه كلها من المن الذي هو تعديد اليد وذكرها . وقال مجاهد : معناه ولا تضعف { تستكثر } ما حملناك من أعباء الرسالة وتستكثر من الخير ، فهذه من قولهم حبل منين أي ضعيف{[11415]} ، وفي قراءة ابن مسعود : «ولا تمنن أن تستكثر » ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «تستكثرْ » بجزم الراء ، وذلك كأنه قال لا تستكثر ، وقرأ الأعمش : «تستكثرَ » بنصب الراء ، وذلك على تقدير أن مضمرة وضعف أبو حاتم الجزم ، وقرأ ابن أبي عبلة : «ولا تمنن فتستكثرْ » بالفاء العاطفة والجزم ، وقرأ أبو السمال : «ولا تمنّ » بنون واحدة مشددة .


[11413]:من الآية 39 من سورة الروم.
[11414]:من قولهم: "أدل عليه" بمعنى: وثق بمحبته فأفرط عليه، وهي بمعنى تدلل عليه.
[11415]:ذكر ابن عطية ستة أقوال في الآية، وذكر القرطبي فيها أحد عشر تأويلا.