التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

ثم حكى - سبحانه - بقية مطالبهم التى لا يقرها عقل سليم فقال : { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } .

أى : من ذهب ، والزخرف ، يطلق فى الأصل على الزينة ، وأطلق هنا على الذهب لأن الذهب أثمن ما يتزين به فى العادة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

90

{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : هو الذهب . وكذلك هو في قراءة ابن مسعود : " أو يكون لك بيت من ذهب " ، { أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ } أي : تصعد{[17844]} في سلم ونحن ننظر إليك { وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنزلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ } قال مجاهد : أي مكتوب فيه إلى كل واحد واحد صحيفة : هذا كتاب من الله لفلان بن فلان ، تصبح موضوعة عند رأسه{[17845]} .

وقوله : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا } أي : سبحانه وتعالى وتقدس أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته ، بل هو الفعال لما يشاء ، إن شاء أجابكم إلى ما سألتم ، وإن شاء لم يجبكم ، وما أنا إلا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ، وقد فعلت ذلك ، وأمركم فيما سألتم إلى الله عز وجل .

قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا علي بن إسحاق ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زَحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم{[17846]} عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرض ربي عز وجل ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا ، فقلت : لا يا رب ، ولكن أشبع يومًا ، وأجوع يومًا - أو نحو ذلك - فإذا جُعت تضرعت إليك وذكرتك ، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك " .

ورواه الترمذي في " الزهد " عن سُوَيْد بن نصر{[17847]} عن ابن المبارك ، به{[17848]} وقال : هذا حديث حسن . وعلي بن يزيد يُضَّعَّفُ في الحديث .


[17844]:في ت: "يصعد".
[17845]:في ف: "يصبح عند رأسه موضوع".
[17846]:في ت: "ألتم".
[17847]:في أ: "زهير".
[17848]:المسند (5/245) وسنن الترمذي برقم (2347) وعبد الله بن زحر وعلى بن يزيد والقاسم ضعفاء.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

الزخرف : الذهب .

وإنما عدي { ترقى في السماء } بحرف ( في ) الظرفية للإشارة إلى أن الرقي تدرج في السماوات كمن يصعد في المرقاة والسلم .

ثم تفننوا في الاقتراح فسألوه إن رقى أن يرسل إليهم بكتاب ينزل من السماء يقرؤونه ، فيه شهادة بأنه بلغ السماء . قيل : قائل ذلك عبد الله بن أبي أمية ، قال : حتى تأتينا بكتاب معه أربعة من الملائكة يشهدون لك .

ولعلهم إنما أرادوا أن ينزل عليهم من السماء كتاباً كاملاً دفعة واحدة ، فيكونوا قد ألحدوا بتنجيم القرآن ، توهماً بأن تنجيمه لا يناسب كونه منزلاً من عند الله لأن التنجيم عندهم يقتضي التأمل والتصنع في تأليفه ، ولذلك يكثر في القرآن بيان حكمة تنجيمه .

واللام في قوله : { لرقيك } يجوز أن تكون لام التبيين . على أن « رقيك » مفعول { نؤمن } مثل قوله : { لن نؤمن لك } فيكون ادعاء الرقي منفياً عنه التصديق حتى ينزل عليهم كتاب . ويجوز أن تكون اللام لام العلة ومفعول { نؤمن } محذوفاً دل عليه قوله قبله : { لن نؤمن لك } . والتقدير : لن نصدقك لأجل رقيك هي تنزل علينا كتاباً . والمعنى : أنه لو رقى في السماء لكذبوا أعينهم حتى يرسل إليهم كتاباً يرونه نازلاً من السماء . وهذا تورك منهم وتهكم .

ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة وعناد أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة { سبحان ربي } التي تستعمل في التعجب كما تقدم في طالع هذه السورة ، ثم بالاستفهام الإنكاري ، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصراً إضافياً ، أي لستُ رباً متصرفاً أخلق ما يطلب مني ، فكيف آتي بالله والملائكة وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها .

وقرأ الجمهور { قل } بصيغة فعل الأمر . وقرأه ابن كثير ، وابن عامر { قال } بألف بعد القاف بصيغة الماضي على أنه حكاية لجواب الرسول صلى الله عليه وسلم عن قولهم : { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } على طريقة الالتفات .