التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (30)

ثم بين - سبحانه - حالهم عندما يقفون ليستمعوا إلى ما يوجهه إليهم ربهم من توبيخ وتقريع بسبب كفرهم فقال :

{ وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ على رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هذا بالحق } .

أى : قال لهم - سبحانه - أليس هذا البعث الذى تشاهدونه بأعينكم ثابتاً بالحق ؟ وهنا يجيبون خالقهم مصدقين لأن الواقع يحتم عليهم ذلك فيقولون - كما حكى القرآن عنهم - { بلى وَرَبِّنَا } أى : قالوا : بلى يا ربنا إنه للحق الذى لا شك فيه ، ولا باطل يحوم من حوله ، وأكدوا اعترافهم بالقسم شاهدين على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين فى الدنيا .

وهنا يحكم الله فيهم بحكمه العادل فيقول : { قَالَ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } أى : إذا كان الأمر كما ذكرتم وشهدتم على أنفسكم ، فانغمسوا فى العذاب ذائقين لآلامه وأهواله بسبب كفركم بآيات الله ، وإنكاركم لهذا اليوم العصيب .

والذوق هنا كناية عن الإحساس الشديد بالعذاب بعد أن وقعوا فيه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (30)

ثم قال { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ } أي : أوقفوا بين يديه قال : { أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ } أي : أليس هذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تظنون ؟ { قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } أي : بما{[10634]} كنتم تكذبون به ، فذوقوا اليوم مَسّه{[10635]} { أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ } [ الطور : 15 ]


[10634]:في د، م: "كما".
[10635]:في أ: "منه".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِٱلۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ} (30)

لمّا ذكر إنكارهم البعث أعقبه بوصف حالهم حين يحشرون إلى الله ، وهن حال البعث الذي أنكروه .

والقول في الخطاب وفي معنى { وقفوا } وفي جواب { لو } تقدّم في نظريتها آنفاً . وتعليق { على ربّهم } بِ { وقفوا } تمثيل لحضورهم المحشر عند البعث . شبّهت حالهم في الحضور للحساب بحال عبد جنى فقُبض عليه فوُقف بين يدي ربّه . وبذلك تظهر مزية التعبير بلفظ { ربّهم } دون اسم الجلالة .

وجملة : { قال أليس هذا بالحقّ } استئناف بياني ، لأنّ قوله : { ولو ترى إذ وقفوا } قد آذن بمشهد عظيم مهول فكان من حقّ السامع أن يسأل : ماذا لقوا من ربّهم ، فيجاب : { قال أليس هذا بالحقّ } الآية .

والإشارة إلى البعث الذي عاينوه وشاهدوه . والاستفهام تقريري دخل على نفي الأمر المقرّر به لاختبار مقدار إقرار المسؤول ، فلذلك يُسأل عن نفي ما هو واقع لأنّه إن كان له مطمع في الإنكار تذرّع إليه بالنفي الواقع في سؤال المقرِّر . والمقصود : أهذا حقّ ، فإنّهم كانوا يزعمونه باطلاً . ولذلك أجابوا بالحرف الموضوع لإبطال ما قبله وهو { بَلَى } فهو يُبطل النفي فهو إقرار بوقوع المنى ، أي بلى هو حقّ ، وأكّدوا ذلك بالقسم تحقيقاً لاعترافهم للمعترف به لأنّه معلوم لله تعالى ، أي نقِرّ ولا نشكّ فيه فلذلك نقسم عليه . وهذا من استعمال القسم لتأكيد لازم فائدة الخبر .

وفُصل { قال فذوقوا العذاب } على طريقة فصل المحاورات . والفاء للتفريع عن كلامهم ، أو فاء فصيحة ، أي إذ كان هذا الحقّ فذوقوا العذاب على كفركم ، أي بالبعث . والباء سببية ، و« ما » مصدرية ، أي بسبب كفركم ، أي بهذا . وذوْق العذاب استعارة لإحساسه ، لأنّ الذوق أقوى الحواسّ المباشرة للجسم ، فشبّه به إحساس الجلد .