التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

ثم أمر - تعالى - رسوله - صلى الله عليه - بقبول السلم والمصالحة ، إذا ما رغب أعداؤه في ذلك ، وكانت ظواهرهم وأفعالهم تدل على صدق نواياهم فقال - تعالى - : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ . . . عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .

قوله { جَنَحُواْ } من الجنوح بمعنى الميل ، يقال : جنح فلان للشئ وإليه - يجنح - مثلث النون - جنوحاً . أى : مال إليه .

قال القرطبى : والجنح : الميل . وجنح الرجل إلى الآخر : مال إليه . ومنه قيل للأضلاع جوانح ، لأنها مالت على الحشوة - بضم الحاء وكسرها - أى : الأمعاء .

وجنحت الإِبل : إذا مالت أعناقها في السير قال ذو الرمة :

إذا مات فوق الرحل أحييت روحه . . . بذكراك والعيس المراسيل جنح

وقرأ الأعمش وأبو بكر وابن محيص " للسلم " - بكسر السين - وقرأ الباقون بالفتح . وإنما قال { لَهَا } لأن السلم مؤنثة - تأنيث نقيضها وهى الحرب . . ويجوز أن يكون التأنيث للفعلة .

والمعنى : عليك - أيها الرسول الكريم - أن تنكل في الحرب بأولئك الكافرين الناقضين لعهودهم في كل مرة ، وأن تهيئ ما استطعت من قوة لإِرهابهم فإن مالوا بعد ذلك إلى { لِلسَّلْمِ } أى : المسالمة والمصالحة فوافقهم ومل إليها ما دامت المصلحة في هذه المسالمة .

وقوله { وَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّهُ هُوَ السميع العليم } معطوف على { فاجنح لَهَا } لقصد التثبيت وبعث الطمأنينة في قلبه .

أى : اقبل المسالمة ما دام فيها مصلحتك ، وفوض أمرك إلى الله - تعالى - ولا تخش مكرهم وكيدهم وغدرهم ، إنه - سبحانه - { هُوَ السميع } لأقوالهم { العليم } بأحوالهم ، فيجازيهم بما يستحقون ، ويرد كيدهم في نحورهم .

وعبر - سبحانه - عن جنوحهم إلى السلم بحرف { إِن } الذي يعبر به عن الشئ المشكوك في وقوعه ، للإِشارة إلى أنهم ليسوا أهلاً لاختيار المسالمة أو المصالحة لذاتها ، وإنما هم جنحوا إليها لحاجة في نفوسهم ، فعلى المؤمنين أن يكونوا دائماً على حذر منهم ، وألا يأمنوا مكرهم .

هذا وقد اختلف العلماء فيمن عنى بهذه الآية ، فمنهم من يرى أن المعنى بها أهل الكتاب ، ومنهم من يرى أن الآية عامة ، أي تشمل أهل الكتاب والمشركين . ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها منسوخة أولاً ؟

وقد حكى ابن جرير معظم هذه الخلافات ورجح أن المقصود بهذه الآية جماعة من أهل الكتاب ، وأن الآية ليست منسوخة فقال ما ملخصه :

عن قتادة أن قوله { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا } منسوخة بقوله في سورة براءة { فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } وبقوله { وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً } فقد كانت هذه - أي الآية التي معنا وهى قوله - تعالى - { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ . . . } قبل براءة . كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يوادع القول إلى أجل ، فإما أن يسلموا ، وإما أن يقاتلهم ، ثم نسخ ذلك بعد براءة فقال : { فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } وعن عكرمة والحسن البصرى قالا : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ . . . } نسختها الآية التي في براءة وهى قوله - تعالى - { قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر }

الآية .

ثم قال ابن جرير : فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله من أن الآية منسوخة ، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل .

لأن قوله { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا . . } إنما عنى به بنو قريظة - كما قال مجاهد - وكانوا يهودا أهل كتاب وقد أذن الله - جل ثناؤه - للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ، ومتاركتهم الحرب ، على أخذ الجزية منهم ، وأما قوله : { فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } فإنما عنى به مشركي العرب من عبدة الأوثان ، الذين لا يجوز قبول الجزية منهم ، فليس في إحدى الآتين نفي حكم الأخرى ، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه . .

هذا ما يراه ابن جرير . أما ابن كثير فقد وافقه على أن الآية ليست منسوخة ، وخالفه في أن المقصود بها بنو قريظة ، فهو يرى أن الآية عامة فقد قال - رحمه الله - :

قوله : { وَإِن جَنَحُواْ } أى : مالوا { لِلسَّلْمِ } أي المسالمة والمصالحة والمهادنة { فاجنح لَهَا } أى : فمل إليها واقبل منهم ذلك . ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر . .

وقال مجاهد : نزلت في بنى قريظة ، وهذا فيه نظر ، لأن السياق كله في موقعه بدر ، وذكرها مكتنف لها كله .

وقال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء الخراسانى وعكرمة والحسن وقتادة : إن الآية منسوخة بآية السيف في براءة ، وهى قوله - تعالى - { قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } وفيه نظر أيضاً ، لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك ، فأما إذا كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية الكريمة { وَإِن جَنَحُواْ } وكما فعل النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية ، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص . .

ويبدو لنا أن ما ذهب إليه ابن كثير أرجح ، لأن الآية الكريمة تقرر مبدأ عاماً في معاملة الأعداء ، وهو أنه من الجائز مهادنتهم ومسالمتهم ما دام ذلك في مصلحة المسلمين .

ولعل هذا هو ما قصده صاحب الكشاف بقوله عند تفسير الآية - " والصحيح أن الأمر موقوف على ما يرى فيه الإِمام صلاح الإِسلام وأهله من حرب أو سلم . وليس يحتم أن يقاتلوا أبداً . أو يجابوا إلى الهدنة أبداً " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

يقول تعالى : إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم عهدهم على سواء ، فإن استمروا على حربك ومنابذتك فقاتلهم ، { وَإِنْ جَنَحُوا } أي : مالوا { لِلسَّلْمِ } أي : المسالمة والمصالحة والمهادنة ، { فَاجْنَحْ لَهَا } أي : فمل إليها ، واقبل منهم ذلك ؛ ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ؛ أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا فضيل بن سليمان - يعني : النميري - حدثنا محمد بن أبي يحيى ، عن إياس بن عمرو الأسلمي ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه سيكون بعدى اختلاف - أو : أمر - فإن استطعت أن يكون السلم ، فافعل " {[13126]}

وقال مجاهد : نزلت في بني قريظة .

وهذا فيه نظر ؛ لأن السياق كله في وقعة بدر ، وذكرها مكتنف لهذا كله .

وقول ابن عباس ، ومجاهد ، وزيد بن أسلم ، وعطاء الخراساني ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة : إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في " براءة " : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ } الآية [ التوبة : 29 ] فيه نظر أيضًا ؛ لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك ، فأما إذا كان العدو كثيفًا ، فإنه تجوز مهادنتهم ، كما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص ، والله أعلم .

وقوله : { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } أي : صالحهم وتوكل على الله ، فإن الله كافيك وناصرك ،


[13126]:زوائد المسند (1/90) وقال الهيثمي في المجمع (7/234): "رجاله ثقات".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (61)

انتقال من بيان أحوال معاملة العدوّ في الحرب : من وفائهم بالعهد ، وخيانتهم ، وكيف يحلّ المسلمون العهد معهم إن خافوا خيانتهم ، ومعاملتهم إذا ظفروا بالخائنين ، والأمر بالاستعداد لهم ؛ إلى بيان أحكام السلم إن طلبوا السلم والمهادنة ، وكفّوا عن حالة الحرب . فأمر الله المسلمين بأن لا يأنفوا من السلم وأن يوافقوا من سأله منهم .

والجنوح : المَيْل ، وهو مشتقّ من جناح الطائِر : لأنّ الطائِر إذا أراد النزول مال بأحد جناحيه ، وهو جناح جانبه الذي ينزل منه ، قال النابغة يصف الطير تتبع الجيش :

قد أيقنَّ أنّ قبيلَه *** إذا ما التقى الجمعان أوَّلُ غالب

فمعنى { وإن جنحوا للسلم } إن مالوا إلى السلم ميل القاصد إليه ، كما يميل الطائِر الجانح . وإنّما لم يقل : وإن طلبوا السلم فأجبهم إليهم ، للتنبيه على أنّه لا يسعفهم إلى السلم حتى يعلم أن حالهم حال الراغب ، لأنّهم قد يظهرون الميل إلى السلم كيداً ، فهذا مقابل قوله : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } [ الأنفال : 58 ] فإن نبذ العهد نبذ لحال السلم .

واللام في قوله : { للسلم } واقعة موقع ( إلى ) لتقوية التنبيه على أنّ ميلهم إلى السلم ميل حق ، أي : وإن مالوا لأجل السلم ورغبة فيه لا لغرض آخر غيره ، لأنّ حقّ { جَنح } أن يعدّى ب ( إلى ) لأنّه بمعنى مال الذي يعدّى بإلى فلا تكون تعديته باللام إلاّ لغرض ، وفي « الكشّاف » : أنّه يقال جنح له وإليه .

والسلم بفتح السين وكسرها ضدّ الحرب . وقرأه الجمهور بالفتح ، وقرأه حمزة ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلَف بكسر السين وحقّ لفظه التذكير ، ولكنّه يؤنّث حملاً على ضدّه الحرب وقد ورد مؤنّثاً في كلامهم كثيراً .

والأمر بالتوكّل على الله ، بعد الأمر بالجنوح إلى السلم ، ليكون النبي صلى الله عليه وسلم معتمداً في جميع شأنه على الله تعالى ، ومفوّضاً إليه تسيير أموره ، لتكون مدّة السلم مدّة تقوّ واستعداد ، وليكفيه الله شرّ عدوّه إذا نقضوا العهد ، ولذلك عُقب الأمر بالتوكّل بتذكيره بأنّ الله السميع العليم ، أي السميع لكلامهم في العهد ، العليمُ بضمائرهم ، فهو يعاملهم على ما يعلم منهم . وقوله : { فاجنح لها } جيء بفعل { اجنح } لمشاكلة قوله { جنحوا . . . } .

وطريق القصر في قوله : { هو السميع العليم } أفاد قصر معنى الكمال في السمع والعلم ، أي : فهو سميع منهم ما لا تسمع ويعلم ما لا تعلم . وقصر هذين الوصفين بهذا المعنى على الله تعالى عقب الأمر بالتوكل عليه يفضي إلى الأمر بقصر التوكّل عليه لا على غيره . وفي الجمع بين الأمر بقصر التوكل عليه وبين الأمر بإعداد ما استطاع من القوة للعدوّ : دليل بَيِّن على أنّ التوكّل أمر غير تعاطي أسباب الأشياء ، فتعاطي الأسباب فيما هي من مقدور الناس ، والتوكّل فيما يخرج عن ذلك .

واعلم أنّ ضمير جمع الغائبين في قوله : { وإن جنحوا للسلم } وقع في هذه الآية عقب ذكر طوائف في الآيات قبلَها ، منهم مشركون في قوله تعالى : { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم } [ الأنفال : 48 ] ، ومنهم من قيل : إنّهم من أهل الكتاب ، ومنهم من تردّدت فيهم أقوال المفسّرين : قيل : هم من أهل الكتاب ، وقيل : هم من المشركين ، وذلك قوله : { إن شر الدوآب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم } [ الأنفال : 55 ، 56 ] الآية . قيل : هم قريظة والنضير وبنو قينقاع ، وقيل : هم من المشركين ، فاحتمل أن يكون ضمير { جنحوا } عائداً إلى المشركين . أو عائداً إلى أهل الكتاب ، أو عائداً إلى الفريقين كليهما .

فقيل : عاد ضمير الغيبة في قوله : { وإن جنحوا للسلم } إلى المشركين ، قاله قتادة ، وعكرمة ، والحسن ، وجابر بن زيد ، ورواه عطاء عن ابن عبّاس ، وقيل : عاد إلى أهل الكتاب ، قاله مجاهد .

فالذين قالوا : إنّ الضمير عائِد إلى المشركين ، قالوا : كان هذا في أوّل الأمر حين قلّة المسلمين ، ثم نسخ بآية سورة براءة ( 5 ) { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } الآية . ومن قالوا الضمير عائد إلى أهل الكتاب قالوا هذا حكم باق ، والجنوح إلى السلم إمّا بإعطاء الجزية أو بالموادعة .

والوجه أن يعود الضمير إلى صنفي الكفار : من مشركين وأهل الكتاب ، إذ وقع قبله ذكر الذين كفروا في قوله : { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا } [ الأنفال : 55 ] فالمشركون من العرب لا يقبل منهم إلاّ الإسلام بعد نزول آية براءة ، فهي مخصّصة العمومَ الذي في ضمير { جنحوا } أو مبيّنة إجمالَه ، وليست من النسخ في شيء . قال أبو بكر بن العربي : « أما من قال إنها منسوخة بقوله : { فاقتلوا المشركين } [ التوبة : 5 ] فدعوى ، فإنّ شروط النسخ معدومة فيها كما بيّنّاه في موضعه » .

وهؤلاء قد انقضى أمرهم . وأمّا المشركون من غيرهم ، والمجوس ، وأهل الكتاب ، فيجري أمر المهادنة معهم على حسب حال قوّة المسلمين ومصالحهم وأنّ الجمع بين الآيتين أوْلى : فإن دَعَوا إلى السلم قبل منهم ، إذا كان فيه مصلحة للمسلمين . قال ابن العربي : فإذا كان المسلمون في قوّة ومنعة وعدّة :

فلاَ صلح حتى تُطعَن الخيل بالقنا *** وتضربَ بالبيض الرقاقِ الجماجمُ

وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح لانتفاع يجلب به أو ضرّ يندفع بسببه فلا بأس أن يبتدىء المسلمون به إذا احتاجوا إليه ، وأن يجيبوا إذا دُعوا إليه . قد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهلَ خيبر ، ووادع الضمري ، وصالح أكيد رَدُومة ، وأهلَ نجران ، وهادن قريشاً لعشرة أعوام حتى نَقضوا عهده » .

أمّا ما همّ به النبي صلى الله عليه وسلم من مصالحة عُيَينة بن حصن ، ومن معه ، على أن يعطيهم نصف ثِمار المدينة فذلك قدْ عدَل عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال سعد بن عبادة ، وسعد بن مُعاذ ، في جماعةِ الأنصار : لا نعطيهم إلاّ السيف .

فهذا الأمر بقبول المهادنة من المشركين اقتضاه حال المسلمين وحاجتهم إلى استجمام أمورهم وتجديد قوتهم ، ثم نسخ ذلك ، بالأمر بقتالهم المشركين حتى يؤمنوا ، في آيات السيف . قال قتادة وعِكرمة : نَسختْ براءة كلّ مواعدة وبقي حكم التخيير بالنسبة لمن عدا مشركي العرب على حسب مصلحة المسلمين .