التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ} (45)

ولما كانت الأمور التي كلفهم الله بها قبل ذلك فيها مشقة لا يتحملها كل أحد بسهولة . فقد أرشدهم إلى الوسائل التي تقوى عزائمهم ، وتطهر قلوبهم ، وتعالج أمراض نفوسهم فقال تعالى :

{ واستعينوا بالصبر والصلاة . . . }

قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة } الاستعانة : طلب المعونة ، والصبر حبس النفس على ما نكره . يقال : صبر على الطاعة . أي حبس نفسه عليها متحملا ما يلاقيه في أدائها من مشاق وصبر عن المعصية . أي كف نفسه عما تنزع إليه من أهواء .

والمعنى : واستعينوا على ترك ما تحبون من شهوات الدنيا ، والدخول فيما تستثقله نفوسكم من قبول الإِسلام ، والتقيد بتكاليفه بفضيلة الصبر التي تحجز أنفسكم من غشيان الموبقات ، وبفريضة الصلاة التي تنهاكم عن الفحشاء والمنكر .

قوله تعالى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين } كبيرة : أي صعبة شاقة . يقال كبر الشيء إذا شق وثقل ، ومنه قوله تعالى : { كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } أي ثقل وصعب - والخاشعين : من الخشوع وهو في الأصل اللين والسهولة " ومعناه في الآية الكريمة . الخضوع والاستكانة لله تعالى ، والضمير في - إنها - للصلاة لعظيم شأنها واستجماعها لضربو من الصبر ، والاستثناء مفرغ . أي كبيرة على كل الناس إلا على الخاشعين .

والمعنى : إن الصلاة صعبة إلا على الخاضعين المخبتين المتطامنة قلوبهم وجوارحهم لله تعالى لأنهم موقنون أنها من أهم وسائل الفلاح في الدنيا ، والسعادة في الآخرة ، ولأنهم يجدون عند أدائها اغتباطاً وسروراً يجعل نفوسهم تنشط إليها كلما حل وقتها بهمة وإخلاص .

قال الإِمام الرازي : " فإن قيل : إن كانت ثقيلة على هؤلاء سهلة على الخاشعين ، فيجب أن يكون ثوابهم أكثر ، وثواب الخاشع أقل ، وذلك منكر من القول ؟ قلنا : ليس المراد أن الذي يلحقهم من التعب أكثر مما يلحق الخاشع . وكيف يكون ذلك ، والخاشع يستعمل في الصلاة جوارحه وقلبه ، ولا يغفل فيها ؛ وإذا كان هذا فعل الخاشع فالثقل عليه يفعل الصلاة أعظم . وإنما المراد بقوله تعالى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } أي ثقيلة على غير الخاشع ؛ لأنه لا يعتقد في فعلها ثواباً ، ولا في تركها عقاباً ، فيصعب عليه فعلها ، فالحاصل أن الملحد لاعتقاده عدم المنفعة في أدائها ثقل عليه فعلها ، لأن الاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل على الطبع . أما الموحد فلما اعتقد في فعلها أعظم المنافع ، وفي تركها أكبر المضار ، لم يثقل عليه أداؤها . بل أداها وهو سعيد بها ، ألا ترى إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " جعلت قرة عيني في الصلاة " وصفها بذلك لأنها كانت لا تثقل عليه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ} (45)

يقول تعالى{[1683]} آمرًا عبيده ، فيما يؤمّلون من خير الدنيا والآخرة ، بالاستعانة بالصبر والصلاة ، كما قال مقاتل بن حَيَّان في تفسير هذه الآية : استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض ، والصلاة .

فأما الصبر فقيل : إنه الصيام ، نص عليه مجاهد .

[ قال القرطبي وغيره : ولهذا سمي رمضان شهر الصبر كما نطق به الحديث ]{[1684]} .

وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن جُرَيّ بن كُليب ، عن رجل من بني سليم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصوم نصف الصبر " .

وقيل : المراد بالصبر الكف عن المعاصي ؛ ولهذا قرنه بأداء العبادات وأعلاها : فعل الصلاة .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن حمزة بن إسماعيل ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سِنان ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن ، وأحسن منه الصبر عن محارم الله .

[ قال ]{[1685]} وروي عن الحسن البصري نحو قول عمر .

وقال ابن المبارك عن ابن لَهِيعة عن مالك بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب فيه ، واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو يتجلد ، لا يرى{[1686]} منه إلا الصبر .

وقال أبو العالية في قوله : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ } على مرضاة الله ، واعلموا أنها من طاعة الله .

وأما قوله : { وَالصَّلاةِ } فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر ، كما قال تعالى : { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } الآية [ العنكبوت : 45 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن عكرمة بن عمار ، عن محمد بن عبد الله الدؤلي ، قال : قال عبد العزيز أخو حذيفة ، قال حذيفة ، يعني ابن اليمان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى . ورواه أبو داود [ عن محمد بن عيسى عن يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار كما سيأتي{[1687]} ]{[1688]} .

وقد رواه ابن جرير ، من حديث ابن جُرَيج ، عن عِكْرِمة بن عمار ، عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة ، عن عبد العزيز بن اليمان ، عن حذيفة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة{[1689]} .

[ ورواه بعضهم عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة ؛ ويقال : أخي حذيفة مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وقال محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة : حدثنا سهل بن عثمان أبو مسعود{[1690]} العسكري ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : قال عكرمة بن عمار : قال محمد بن عبد الله الدؤلي : قال عبد العزيز : قال حذيفة : رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وهو مشتمل في شملة يصلي ، وكان إذا حزبه أمر صلى{[1691]} . وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع حارثة بن مضرب سمع عليا يقول : لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح{[1692]} ]{[1693]} .

قال ابن جرير : وروي عنه ، عليه الصلاة والسلام ، أنه مر بأبي هريرة ، وهو منبطح على بطنه ، فقال له : " اشكنب درد " [ قال : نعم ]{[1694]} قال : " قم فصل فإن الصلاة شفاء " {[1695]} [ ومعناه : أيوجعك بطنك ؟ قال : نعم ]{[1696]} . قال ابن جرير : وقد حدثنا محمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم ، قالا حدثنا ابن عُلَيَّة ، حدثنا عُيَينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه : أن ابن عباس نُعي إليه أخوه قُثَم وهو في سفر ، فاسترجع ، ثم تنحَّى عن الطريق ، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ }{[1697]} .

وقال سُنَيد ، عن حجاج ، عن ابن جرير : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ } قال : إنهما مَعُونتان على رحمة الله .

والضمير في قوله : { وَإِنَّهَا } عائد إلى الصلاة ، نص عليه مجاهد ، واختاره ابن جرير .

ويحتمل أن يكون عائدا على ما يدل عليه الكلام ، وهو الوصية بذلك ، كقوله تعالى في قصة قارون : { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ } [ القصص : 80 ] وقال تعالى : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34 ، 35 ]أي : وما يلقى هذه الوصية إلا الذين صبروا { وَمَا يُلَقَّاهَا } أي : يؤتاها ويلهمها { إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }

وعلى كل تقدير ، فقوله تعالى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } أي : مشقة ثقيلة إلا على الخاشعين . قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني المصدّقين بما أنزل الله . وقال مجاهد : المؤمنين حقا . وقال أبو العالية : إلا على الخاشعين الخائفين ، وقال مقاتل بن حيان : إلا على الخاشعين يعني به المتواضعين . وقال الضحاك : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } قال : إنها لثقيلة إلا على الخاضعين{[1698]} لطاعته ، الخائفين سَطَواته ، المصدقين بوعده ووعيده .

وهذا يشبه ما جاء في الحديث : " لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه " {[1699]} .

وقال ابن جرير : معنى الآية : واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب ، بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر ، المقربة من رضا الله ، العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته .

هكذا قال ، والظاهر أن الآية وإن كانت خطابًا في سياق إنذار بني إسرائيل ، فإنهم لم يقصدوا بها على سبيل التخصيص ، وإنما هي عامة لهم ، ولغيرهم . والله أعلم .


[1683]:في جـ: "تعالى مخبرا".
[1684]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1685]:زيادة من جـ، ط، ب.
[1686]:في جـ: "فلا يرى".
[1687]:المسند (5/388) وسنن أبي داود برقم (1319).
[1688]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
[1689]:المسند (5/26).
[1690]:في ط: "ابن مسعود"، والصواب ما أثبتناه.
[1691]:تعظيم قدر الصلاة برقم (212).
[1692]:تعظيم قدر الصلاة برقم (213).
[1693]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1694]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1695]:تفسير الطبري (2/13) وانظر ما كتبه المحقق الفاضل عن معنى: "اشكنب درد".
[1696]:زيادة من جـ، ط، ب.
[1697]:تفسير الطبري (2/14).
[1698]:في جـ: "الخاشعين".
[1699]:رواه أحمد في المسند (5/231) من حديث معاذ رضي الله عنه.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ} (45)

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ( 45 )

وقوله تعالى : { واستعينوا بالصبر( {[554]} ) والصلاة } قال مقاتل : «معناه على طلب الآخرة » .

وقال غيره : المعنى استعينوا بالصبر عن الطاعات وعن الشهوات على نيل رضوان الله ، وبالصلاة على نيل الرضوان وحط الذنوب ، وعلى مصائب الدهر أيضاً( {[555]} ) ، ومنه الحديث : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر فزع إلى الصلاة( {[556]} ) ، ومنه ما روي أن عبد الله بن عباس نعي إليه أخوه قثم ، وهو في سفر ، فاسترجع وتنحى عن الطريق وصلى ثم انصرف إلى راحلته ، وهو يقرأ( {[557]} ) { واستعينوا بالصبر والصلاة } .

وقال مجاهد : الصبر في هذه الآية الصوم ، ومنه قيل لرمضان شهر الصبر ، وخص الصوم والصلاة على هذا القول بالذكر لتناسبهما في أن الصيام يمنع الشهوات ويزهد في الدنيا ، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتخشع . ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر بالآخرة .

وقال قوم : «الصبر » على بابه( {[558]} ) ، { والصلاة } الدعاء ، وتجيء هذه الآية على هذا القول مشبهة لقوله تعالى : { إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله }( {[559]} ) [ الأنفال : 45 ] لأن الثبات هو الصبر ، وذكر الله هو الدعاء .

واختلف المتأولون في قوله تعالى : { وإنها لكبيرة } على أي شيء يعود الضمير ؟ فقيل على { الصلاة }( {[560]} ) ، وقيل على الاستعانة التي يقتضيها قوله { واستعينوا } ، وقيل على العبادة التي يتضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة .

وقالت فرقة : على إجابة محمد صلى الله عليه وسلم .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وفي هذا ضعف ، لأنه لا دليل له من الآية عليه .

وقيل : يعود الضمير على الكعبة ، لأن الأمر بالصلاة إنما هو إليها .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا أضعف من الذي قبله .

و «كبيرة » معناه ثقيلة شاقة( {[561]} ) ، والخاشعون المتواضعون المخبتون ، والخشوع هيئة في النفس يظهر منها على الجوارح سكون وتواضع .


[554]:- قال الإمام أحمد رحمه الله: ذكر الله الصبر في تسعين موضعا، أو بضعا وتسعين، وهو واجب باتفاق الأمة، وقد يكون من الكمال المستحب، وذلك أن النجاح والنصر لا يأتيان إلا على أساس الصبر والالتجاء إلى الله تعالى بالصلاة والدعاء.
[555]:- الآية الكريمة تقبل كل هذه المعاني. فالألف واللام الداخلة على الصبر هي للشمول والعموم، كما أن الصلاة يراد بها ما يعم الفريضة والنافلة.
[556]:- رواه الإمام أحمد، وأبو داود بلفظ: "كان إذا حزبه أمر صلى"، ورواه (ط) بلفظ: "كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة"، وذكره المؤلف بلفظ: "إذا كربه أمر فزع إلى الصلاة" وكربه بمعنى حزبه، أي أهمه وأقلقه. وانظر دعاء الكرب من كتاب الدعوات. وروى الترمذي في جامعه عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث".
[557]:- رواه (ط) في تفسيره، والبيهقي في شعب الإيمان.
[558]:- وليس بمعنى الصوم، كما قال مجاهد، وترجمة ما أشار إليه أن الصبر يفسر بتفسيرين بمعناه المتعارف، وبمعنى الصوم، ومن ثم قيل لشهر الصوم: شهر الصبر، والصلاة كذلك فقيل الشرعية، وقيل اللغوية، والكلمة صالحة للجميع.
[559]:- من الآية 45 من سورة الأنفال.
[560]:- هذا أقوى وأولى، لأن ضمير الغيبة يعود إلى أقرب مذكور. ولأن الصلاة عبادة، ومن أكبر العون على الثبات في الأمر. ولأنها تكبر وتصعب على النفوس، ومن أجل هذا اختاره الإمام ابن جرير رحمه الله.
[561]:- جعلها كبيرة حتى قرن بها الأمر بالصبر، واستثنى الخاشعين فلم تكن عليهم كبيرة لأجل ما وصفهم به من الخوف والرجاء، وذلك ما تضمنه قوله تعالى: [الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم] فإن الخوف والرجاء يسهلان كل صعب. والمشقة في الصلاة تدخل على المكلف من جهة شدة التكليف في حد ذاته، ومن جهة المداومة عليه، وإن كان خفيفا في نفسه، وفي مقدمة الخاشعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كانت قرة عينه في الصلاة، حتى يستريح إليها من تعب الدنيا، حتى قال: (أرحنا بها يا بلال)، كما رواه الدارقطني في العلل.