لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ} (45)

الصبر فطم النفس عن المألوفات ، والصلاة التعرُّض لحصول المواصلات ، فالصبر يشير إلى هجران الغَيْر ، والصلاة تشير إلى دوام الوقوف بحضرة الغيب ، وإن الاستعانة بهما لخصلة شديدة إلا على من تجلَّى الحق لِسِرِّه فإِن في الخبر المنقول : " إن الله تعالى إذا تجلَّى لشيءٍ خشع له " وإذا تجلَّى الحق ، خَفَّ وسَهُلَ ما توقَّى الخلْق ؛ لأن التوالي للطاعات يوجب التكليف بموجب مقاساة الكلفة ، و التجلي بالمشاهدات - بحكم التحقيق - يوجب تمام الوصلة ودوام الزلفة .

ويقال استعينوا بي على الصبر معي ، واستعينوا بحفظي لكم على صلاتكم لي ، حتى لا تستغرقكم واردات الكشف والهيبة ، فلا تقدرون على إقامة الخدمة .

وإن تخفيف سطوات الوجود على القلب في أوان الكشف حتى يقوى العبد على القيام بأحكام الفرق لِمَنَّةٌ عظيمة من الحق .

وأقسام الصبر كلها محمودة الصبر في الله ، والصبر لله ، والصبر بالله والصبر مع الله إلا صبراً واحداً وهو الصبر عن الله :

والصبر يحسن في المواطن كلها *** إلا عليك فإنه مذموم