قوله : { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ } هذه الجملةُ الأمريةُ عَطْفٌ على ما قبلَها من الأوامر ، ولكن اعتُرِضَ بينها بهذه الجمل . وأصلُ " استعينوا " اسْتَعْوِنُوا فَفُعِل به ما فُعِل في { نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] ، وقد تقدَّم تحقيقُه ومعناه . " وبالصبر " متعلقٌ به والباءُ للاستعانةِ أو للسببيةِ ، والمستعانُ عليه محذوفٌ ليَعُمَّ جميعَ الأحوال المستعانِ عليها ، و " استعان " يتعدَّى بنفسِه نحو : { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] . ويجوز أن تكونَ الباءُ للحال أي : ملتبسينَ بالصبر ، والظاهر أنه يتعدَّى بنفسه وبالباء تقولُ : استَعَنْتُ [ الله واستعنْتُ بالله ] وقد تقدَّم أن السينَ للطلب . والصبرُ : الحَبْسُ على المكروه ، ومنه : " قُتِل فلانٌ صبراً " ، قال :
فَصَبْراً في مجالِ الموتِ صَبْراً *** فما نَيْلُ الخلودِ بمُسْتَطَاعِ
قوله : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } إنَّ واسمها وخبرُها ، والضميرُ في " إنها " قيل : يعودُ على الصلاة وإنْ تقدَّم شيئان ، لأنها أغلبُ منه وأهمُّ ، وهو نظيرُ قولِه : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا } [ الجمعة : 11 ] أعاد الضمير على التجارةِ لأنها أهمُّ وأَغْلَبُ ، كذا قيل ، وفيه نظرٌ ، لأنَّ العطف ب " أو " فيجبُ الإِفرادُ ، لكنَّ المرادَ أنه ذَكَر الأهمَّ من الشيئين فهو نظيرُها من هذه الجهةِ . وقيل : يعودُ على الاستعانةِ المفهومةِ من الفعلِ نحو : { هُوَ أَقْرَبُ } [ المائدة : 8 ] . وقيل : على العِبادةِ المدلولِ عليها بالصبرِ والصلاةِ ، وقيل : هو عائدٌ على الصبرِ والصلاةِ ، وإنْ كان بلفظِ المفردِ ، وهذا ليسَ بشيء . وقيل : حُذِفَ من الأولِ لدلالةِ الثاني عليه ، وتقديرُه : وإنه لكبيرٌ ، نحو قوله :
إنَّ شَرْخَ الشبابِ والشَّعْرَ الأسْ *** وَدَ ما لم يُعاصَ كان جُنوناً
قوله : { إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } استثناءٌ مفرَّعٌ ، وجازَ ذلك وإن كانَ الكلامُ مُثْبَتاً لأنه في قوةِ المنفيِّ ، أي : لا تَسْهُل ولا تَخِفُّ إلاَّ على هؤلاء ، ف " على الخاشعين " متعلَّقٌ ب " كبيرة " نحو : " كَبُر عليَّ هذا " أي : عَظُم وشَقَّ . والخشوعُ : الخُضوع ، وأصلُه اللِّيْنُ والسُّهولة ، ومنه " الخُشْعَةُ " للرَّمْلَةِ المتطامنةِ ، وفي الحديث : " كانَتْ خُشْعَةً على الماءِ ثم دُحِيَتْ بعدُ " أي : كانت الأرضُ لينةً ، وقال النابغة :
رَمادٌ ككُحْلِ العَيْنِ لأْيَا أُبِينُه *** ونُؤْيٌ كجِذْمِ الحَوْضِ أَثْلَمُ خاشِعُ
أي : عليه أثرُ الذلَّ ، وفَرَّق بعضُهم بين الخضوع والخُشوع ، فقال : الخُضُوع في البدنِ خاصةً ، والخُشُوع في البدنِ والصوت والبصر فهو أعمُّ منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.