الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ} (45)

{ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ } . . . . . . . { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } [ عليهما ولكنه كنّى عن الأغلب وهو الصلاة كقوله ] : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [ التوبة : 34 ] وقوله : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا } [ الجمعة : 11 ] فرد الكناية إلى الفضة لأنها الأغلب والأعم وإلى التجارة لأنها الأفضل والأهم . . . { وَإِنَّهَا } واحد منهما ، أراد بأن كل خصلة منهما { لَكَبِيرَةٌ } وقيل : رد الكناية إلى كل واحد منهما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } [ المؤمنون : 50 ] ولم يقل : آيتين ، أراد : جعلنا كل واحد منهما آية .

حسن من علم يزينه حلم *** ومن ناله قد فاز بالفرج

أي من نال كل واحد منهما .

وقال آخر :

لكل همّ من الهموم سَعة *** والمسى والصبح لا فلاح معه

وقيل : ردّ الهاء الى الصلاة لأنّ الصبر داخل في الصلاة كقوله : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] ولم يقل يرضوهما ؛ لأنّ رضا الرسول داخل في رضا الله ، فردّ الكناية إلى الله .

وقال الشاعر وهو حسّان :

إنّ شرخ الشباب والشعر الأس *** ود ما لم يُعاص كان جنونا

ولم يقل يُعاصَيا ردّه إلى الشباب ، لأن الشعر الأسود داخل فيه . وقال الحسين بن الفضل : ردّ الكناية إلى الاستعانة ، معناه : وأن الاستعانة بالصبر والصلاة لكبيرة ثقيلة شديدة { إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } يعني المؤمنين ، وقال ابن عباس : يعني المصلّين . الوراق : العابدين المطيعين . مقاتل بن حيان : المتواضعين ، الحسن : الخائفين . قال الزجاج : الخاشع الذي يُرى أثر الذل والخنوع عليه ، وكخشوع الدار بعد الاقواء ، هذا هو الأصل .

وقال النابغة :

رماد ككحل العين ما أن تبينه *** ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع