السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ} (45)

{ واستعينوا } أي : اطلبوا المعونة على أموركم { بالصبر } أي : الحبس للنفس على ما تكره { والصلاة } أفردها بالذكر تعظيماً لشأنها فإنها جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية من الطهارة وستر العورة وصرف المال فيهما والتوجه إلى الكعبة والعكوف للعبادة وإظهار الخشوع بالجوارح وإخلاص النية بالقلب ومجاهدة الشيطان ومناجاة الرحمن وقراءة القرآن والتكلم بالشهادتين وكف النفس عن الأطيبين وهما الأكل والجماع .

روى الإمام أحمد وغيره ( أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ) أي : لجأ إليها ، وحزبه بالحاء المهملة وزاي وباء موحدة : أهمه ونزل به ، وقيل : الخطاب لليهود فهو متصل بما قبله كأنهم لما أمروا بما شق عليهم لما فيه من الكلفة وترك الرياسة والإعراض عن المال أمروا بالصبر وهو الصوم ومنه سمي شهر رمضان شهر الصبر لأنه يكسر الشهوة ويزهد في الدنيا ، والصلاة لأنها تورث الخشوع وتنفي الكبر وترغب في الآخرة ، وقيل : الواو بمعنى على أي : واستعينوا بالصبر على الصلاة كما قال تعالى : { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } ( طه ، 132 ) ويحتمل أن يراد بالصلاة : الدعاء { وإنها } أي : الصلاة ردّ الكناية إليها لأنّ الصبر داخل فيها لاستجماعها ضروباً من الصبر كما قال تعالى : { والله ورسوله أحق أن يرضوه } ( التوبة ، 62 ) ولم يقل يرضوهما لأن رضا الرسول داخل في رضا الله عز وجل أو لأنها أعم ، كما في قوله تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } ( التوبة ، 34 ) ردّ الكناية إلى الفضة لأنها أعم وقيل : ردّ الكناية إلى كل منهما وأن كل خصلة منهما كما قال تعالى : { كلتا الجنتين آتت أكلها } ( الكهف ، 33 ) أي : كل واحدة منهما ، وقيل : معناه : واستعينوا بالصبر وإنه لكبير والصلاة وإنها لكبيرة فحذف أحدهما اختصاراً ، وقال الحسين بن الفضل : ردّ الكناية إلى الاستعانة { لكبيرة } أي : ثقيلة شاقة كقوله تعالى : { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } ( الشورى ، 13 ) { إلا على الخاشعين } أي : الساكنين إلى الطاعة ، والخشوع : السكون ، قال تعالى :

{ وخشعت الأصوات للرحمن } ( طه ، 108 ) والخضوع : اللين والانقياد ، ولذا يقال : الخشوع بالجوارح والخضوع بالقلب .