{ واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ، الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ، يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ، واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون } .
{ واستعينوا بالصبر والصلاة } قيل إن المخاطبين بهذا هم المؤمنون وقيل اليهود لما عاقهم عن الإيمان الشره وحب الرياسة فأمروا بالصبر ، وهو الصوم لأنه يكسر الشهوة ، والصلاة لأنها تورث الخشوع وتنفي الكبر ، وأفرد الصلاة بالذكر تعظيما لشأنها ، والمعنى استعينوا على حوائجكم إلى الله وقيل على ما يشغلكم من أنواع البلايا ، وقيل على طلب الآخرة بالصبر .
والصبر في اللغة الحبس والمراد هنا استعينوا بحبس أنفسكم عن الشهوات وقصرها على الطاعات ، على دفع ما يرد عليكم من المكروهات ، وقيل الصبر هنا هو خاص بالصبر على تكاليف الصلاة وأداء الفرائض ، واستدل هذا القائل بقوله تعالى : { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } وليس في هذا الصبر الخاص بهذه الآية ما ينفي ما يفيده الألف واللام الداخلة على الصبر من الشمول ، كما أن المراد بالصلاة هنا جميع ما يصدق عليه الصلاة الشرعية من غير فرق بين فريضة ونافلة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
وعن ابن عباس أنه نعي له أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما السجود ثم قام إلى راحلته وهو يقول { واستعينوا بالصبر والصلاة } . وقد وردت أحاديث كثيرة في مدح الصبر والترغيب فيه والجزاء للصابرين ، ولم نذكرها ههنا لأنها ليست بخاصة بهذه الآية ، بل هي واردة في مطلق الصبر ، وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور ههنا منها شطرا صالحا ، وفي الكتاب العزيز من الثناء على ذلك والترغيب فيه الكثير الطيب .
وأخرج أحمد وأبو داوود وابن جرير عن حذيفة قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ) ، وأخرج أحمد والنسائي وابن حبان عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانوا يعني الأنبياء يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة ، وعن ابن عباس أنه كان في مسير له فنعي إليه ابن له فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع فقال فعلنا كما أمرنا الله تعالى { واستعينوا بالصبر والصلاة } وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين .
واختلف المفسرون في مرجع للضمير في قوله { وإنها لكبيرة } فقيل إنه راجع إلى الصلاة وإن كان المتقدم هو الصبر والصلاة فقد يجوز إرجاع الضمير إلى أحد الأمرين المتقدم ذكرهما ، كما قال تعالى { والله ورسوله أحق أن يرضوه } إذا كان أحدهما داخلا تحت الآخر بوجه من الوجوه ، وقيل إنه عائد إلى الصلاة من دون اعتبار دخول الصبر تحتها لأن الصبر هو عليها كما قيل سابقا ، وقيل إن الضمير راجع إلى الأشياء المكنوزة ومثل ذلك قوله { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } رجع الضمير هنا إلى الفضة والتجارة لما كانت أعم نفعا وأكثر وجودا والتجارة هي الحاملة على الانفضاض .
والفرق بين هذا الوجه والوجه الأول الصبر هناك جعل داخلا تحت الصلاة وهنا لم يكن داخلا وإن كان مرادا ، وقيل إن المراد الصبر والصلاة ولكن أرجع الضمير إلى أحدهما استغناء به عن الآخر ، ومنه قوله تعالى { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } أي ابن مريم آية وأمه آية ، وقيل رجع الضمير إليهما بعد تأويلهما بالعبادة ، وقيل رجع إلى المصدر المفهوم من قوله { واستعينوا } وهو الاستعانة وقيل رجع إلى جميع الأمور التي نهي عنها بنو إسرائيل ، والأول هو الظاهر الجاري على قاعدة كون الضمير للأقرب والكبيرة التي يكبر أمرها ويتعاظم شأنها على حاملها لما يجده عنده تحملها والقيام بها من المشقة ومنه { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه }
{ إلا } استثناء مفرغ وشرطه أن يسبق بنفي فيؤول الكلام هنا بالنفي أي أنها لا تخف ولا تسهل إلا { على الخاشعين } يعني المؤمنين ، وقيل الخائفين ، وقيل المطيعين المتواضعين لله ، والخاشع هو المتواضع ، قال في الكشاف : الخشوع هو الإخبات والتضامن ، فاللين والانقياد انتهى .
وقال الزجاج الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه ، وخشعت الأصوات أي سكنت ، وخشع ببصره إذا غضه ، وقال سفيان الثوري سألت الأعمش عن الخشوع فقال يا ثوري أنت تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع ، ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطأ الرأس لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء ، وتخشع لله في . وأما الخضوع كل فرض افترض عليك انتهى .
وما أحسن ما قاله بعض المحققين في بيان ماهيته أنه هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع ، واستثنى سبحانه الخاشعين مع كونهم باعتبار استعمال جوارحهم في الصلاة وملازمتهم لوظائف الخشوع الذي هو روح الصلاة واتباعهم لأنفسهم إتباعا عظيما في الأسباب الموجبة للحضور والخضوع لأنهم لما يعلمونه من تضاعف الأجر وتوفر الجزاء والظفر بما وعد الله به من عظيم الثواب تسهل عليهم تلك المتاعب ، ويتذلل لهم ما يركبونه من المصاعب ، بل يصير ذلك لذة لهم خالصة وراحة عندهم محضة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.