الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ} (45)

{ واستعينوا } على حوائجكم إلى الله { بالصبر والصلاة } أي بالجمع بينهما ، وأن تصلوا صابرين على تكاليف الصلاة ، محتملين لمشاقها وما يجب فيها من إخلاص القلب ، وحفظ النيات ، ودفع الوساوس ومراعاة الآداب ، والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع ، واستحضار العلم بأنه انتصاب بين يدي جبار السموات ، ليسأل فك الرقاب عن سخطه وعذابه . ومنه قوله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا } [ طه : 132 ] أو : واستعينوا على البلايا والنوائب بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة عند وقوعها .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة » وعن ابن عباس أنه نعي إليه أخوه «قُثَم » وهو في سفر ، فاسترجع وتنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : واستعينوا بالصبر والصلاة ، وقيل : الصبر الصوم ، لأنه حبس عن المفطرات . ومنه قيل لشهر رمضان : شهر الصبر . ويجوز أن يراد بالصلاة الدعاء ، وأن يستعان على البلايا بالصبر ، والالتجاء إلى الدعاء ، والابتهال إلى الله تعالى في دفعه { وَإِنَّهَا } الضمير للصلاة أو للاستعانة . ويجوز أن يكون لجميع الأمور التي أمر بها بنو إسرائيل ونهوا عنها من قوله : { اذكروا نِعْمَتِيَ } إلى { واستعينوا } . { لَكَبِيرَةٌ } لشاقة ثقيلة من قولك : كبر عليّ هذا الأمر ، { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } [ الشورى : 13 ] .

فإن قلت : ما لها لم تثقل على الخاشعين والخشوع في نفسه مما يثقل ؟ قلت : لأنهم يتوقعون ما ادّخر للصابرين على متاعبها فتهون عليهم . ألا ترى إلى قوله تعالى : { الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبّهِمْ } .