التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلۡقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٖ} (24)

ثم يقال بعد ذلك للملكين بالموكلين به ، أو للسائق والشهيد : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } أى : اقذفا فى جهنم باحتقار وغضب كل " كفار " أى : كل مبالغ فى الجحود والكفر " عنيد " أى : معاند للحق مع علمه بأنه حق .

يقال : عنَد فلان عن الحق - من باب - قعد فهو عانِد وعنيد وعُنُود ، إذا ركب الخلاف والعصيان وأبى أن ينقاد للحق مع علمه بأنه حق ، مأخذو من العَنْدِ وهو عظم يعرض فى الحلق فيحول بين الطعام وبين دخوله إلى الجسم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلۡقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٖ} (24)

فعند ذلك يحكم الله ، سبحانه تعالى ، في الخليقة بالعدل فيقول : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ }

وقد اختلف النحاة في قوله : { ألقيا } فقال بعضهم : هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتثنية ، كما روي عن الحجاج أنه كان يقول : يا حرسي ، اضربا عنقه ، ومما أنشد ابن جرير على هذه اللغة قول الشاعر :

فإن تزجراني - يا ابن عفان – أنزجر *** وإن تتركاني أحم عرضا ممنعا{[27313]}

وقيل : بل هي نون التأكيد ، سهلت إلى الألف . وهذا بعيد ؛ لأن هذا إنما يكون في الوقف ، والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد ، فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب ، فلما أدى الشهيد عليه ، أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم وبئس المصير .

{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } أي : كثير الكفر والتكذيب بالحق ، { عنيد } : معاند للحق ، معارض له بالباطل مع علمه بذلك .


[27313]:- (4) تفسير الطبري (26/103).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلۡقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٖ} (24)

{ ألقيا في جهنم كل كفار } خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد ، أو الملكين من خزنة النار ، أو لواحد وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل وتكريره كقوله :

فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر *** وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا

أو الألف بدل من نون التأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف ، ويؤيده أنه قرئ " ألقين " بالنون الخفيفة . { عنيد } معاند للحق .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلۡقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٖ} (24)

وقال عبد الرحمن بن زيد في كتاب الزهراوي : هو قول للسائق والشهيد ، وحكى الزهراوي أن المأمور بإلقاء الكافر في النار اثنان ، وعلى هذين القولين لا نظر في قوله : { ألقيا } . وقال مجاهد وجماعة من المتأولين : هو قول للقرين : إما السائق ، وإما الذي هو من الزبانية حسبما تقدم واختلف أهل هذه المقالة في معنى قوله : { ألقيا } وهو مخاطبة لواحد ، فقال المبرد معناه : الق الق ، فإنما أراد تثنية الأمر مبالغة وتأكيداً ، فرد التثنية إلى الضمير اختصاراً كما قال [ امرؤ القيس ] :

لفتك الأمين على نابل . . . {[10539]}

يريد : ارم ارم . وقال بعض المتأولين : «ألقين » فعوض من النون ألف كما تعوض من التنوين . وقال جماعة من أهل العلم بكلام العرب : هذا جرى على عادة العرب ، وذلك أنها كان الغالب عندها أن تترافق في الأسفار ونحوها ثلاثة ، فكل واحد منهم يخاطب اثنين ، فكثر ذلك في أشعارها وكلامها حتى صار عرفاً في المخاطبة ، فاستعمل في الواحد ، ومن هذا قولهم في الأشعار : خليلي ، وصاحبي ، وقفا نبك{[10540]} ونحوه ، وقد جرى المحدثون على هذا الرسم ، فيقول الواحد : حدثنا ، وإن كان سمع وحده ، ونظير هذه الآية في هذا القول قول الزجاج : يا حارسي اضربا عنقه ، وهو دليل على عادة العرب ، ومنه قول الشاعر [ سويد بن كراع العكلي ] : [ الطويل ]

فإن تزجراني بابن عفان أنزجر . . . وإن تدعاني أحم عرضاً ممنعا{[10541]}

وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «ألقين » بتنوين الياء و : { كفار } مبالغة . و : { عنيد } معناه : عاند عن الحق أي منحرف عنه .


[10539]:هذا عجز بيت قاله امرؤ القيس من أبيات له قالها بعد أن انتصر على بني أسد، والبيت بتمامه: نطعنهم سُلكى ومخلوجة لفتك لأمين على نابل وهو في الديوان واللسان، والرواية في الديوان:"كرك" بدلا من "لفتك"، وسُلكى: طعنا مستويا أو أمام الوجه، ومخلوجة: معوجة عن يمين وشمال، يريد أنهم يطعنونهم من أمام ومن يمين وشمال، وكرك: ردك، وكذلك لفتك، واللأم: السهم، والنابل: من يرمي بالنبل، والمعنى: إننا نطعنهم ونعيد الطعن بسرعة كما نرد سهمين على صاحب نبل يرمي بسهمين ثم يعادان عليه بسرعة. وقد روى صاحب اللسان أن بعض أهل العلم سأل رؤبة عن هذا البيت فقال: حدثني أبي عن أبيه، قال: حدثتني عمتي وكانت في بني دارم أنها سألت امرأ القيس وهو يشرب طلاء مع علقمة بن عبدة عن معناه فقال: مررت بنابل وصاحبه يناوله الريش لؤاما وظُهارا فما رأيت أسرع منه فتشبهت به.
[10540]:أما (خليلي) فمثاله قول امرئ القيس: خليلي مُرّا بي على أم جندب نقضي لبانات الفؤاد المُعذب وأما (صاحبي) فمثاله قول أبي تمام: يا صاحبي تقصيا نظريكما تريا وجوه الأرض كيف تصور تريا نهارا مشمسا قد شابه زهر الربى فكأنما هو مقمر وأما (قفا نبك)، فهو في مطلع معلقة امرئ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
[10541]:هذا البيت من شواهد الفراء التي ذكرها في (معاني القرآن)، قال:"العرب تأمر الواحد بما يؤمر به الاثنان، فيقولون للرجل: قوما عنا" وروى في ذلك مثالا ثم قال:"وأنشدني أبو ثروان: وإن تزجراني...البيت، ونرى أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرفقة أدنى ما يكونون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبيه"، والزجر: المنع والنهي والانتهار، يقال: زجره يزجره فانزجر وازدجر، والحماية: المنع والصيانة، والعرض: ما يمدح ويُذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره، ومعنى البيت: إن تركتماني حميت عرضي ممن يؤذيني، وإن زرجتماني انزجرت وصبرت. هذا والبيت لسويد بن كُراع العُكلي، وكان قد هجا بني عبد الله بن دارم فاستعدوا عليه سعيد بن عثمان، فأراد ضربه، فقال سويد قصيدة بدأها بقوله: تقول ابنة العوفي ليلى: ألا ترى إلى ابن كراع لا يزال مُفزعا؟ مخافة هذين الأميرين سهّدت رُقادي وغشتني بياضا مُقزعا فإن أنتما أحكمتماني فازجرا أراهط تؤذي من الناس رُضعا وإن تزجراني يا بن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا وهذا يدل على أن العرب تخاطب الواحد بلفظ الاثنين، فقد خاطب سعيد بن عفان بقوله:(وإن تزجراني)، ولعله أراد سعيد بن عفان هذا ومن ينوب عنه أو يحضر معه. كذلك نلحظ أنه قال أيضا(أحكمتماني) وهو خطاب للواحد بلفظ الاثنين.