التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك إلى الحديث عن علم الله - تعالى - الذى غيبه عن عباده ، وعن أقوال المشركين فى شأن البعث والحساب ، وعن توجيهات الله - تعالى - لنبيه فى الرد عليهم . . . فقال - تعالى - : { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن . . . } .

ذكر بعض المفسرين أن كفار مكة سألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة ، فنزل قوله - تعالى - : { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السماوات والأرض الغيب إِلاَّ الله . . } .

والغيب : مصدر غاب يغيب ، وكثيرا ما يستعمل بمعنى الغائب ، ومعناه : مالا تدركه الحواس ، ولا يعلم ببداهة العقل .

و " من " اسم موصول فى محل رفع على أنه فاعل " يعلم " و " الغيب " مفعوله فيكون المعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لكل من سألك عن موعد قيام الساعة : لا يعلم أحد من المخلوقات الكائنة فى السموات والأرض ، الغيب إلا الله - تعالى - وحده ، فإنه هو الذى يعلمه .

ويجوز أن يكون لفظ " من " فى محل نصب علىالمفعولية و " الغيب " بدل منه ، ولفظ الجلالة " الله " فاعل " يعلم " فيكون المعنى : قل لا يعلم الأشياء التى تحدث فى السموات والأرض الغائبة عنا ، إلا الله - تعالى - .

قال القرطبى : وفى صحيح مسلم عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم يعلم ما فى غد ، فقد أعظم على الله الفرية " .

وقوله - سبحانه - : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } تأكيد لانفراد الله - تعالى - بعلم الغيوب ، ولفظ " إيان " ظرف زمان متضمن معنى متى .

أى : وما يشعر هؤلاء الكافرون الذين سألوا عن وقت قيام الساعة ، ولا غيرهم ، متى يكون بعثهم من قبورهم للحساب ، إذ علم وقت قيام الساعة لا يعلمه إلى الله وحده .

فالجملة الكريمة تنفى عنهم العلم بموعد قيام الساعة فى أدق صورة وأخفاها ، فهم لا يشعرون ولا يحسون بقيام الساعة ، { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلمًا لجميع الخلق : أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب . وقوله : { إِلا اللَّهَ } استثناء منقطع ، أي : لا يعلم أحد ذلك إلا الله ، عز وجل ، فإنه المنفرد بذلك وحده ، لا شريك له ، كما قال : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ } الآية [ الأنعام : 59 ] ، وقال : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان : 34 ] ، والآيات في هذا كثيرة .

وقوله : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } أي : وما يشعر الخلائق الساكنون في السموات والأرض بوقت الساعة ، كما قال : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } [ الأعراف : 187 ] ، أي : ثقل علمها على أهل السموات والأرض .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن الجَعْد ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : مَنْ زعم أنه يعلم - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ما يكون في غد فقد أعظم على الله الفِرْية ؛ لأن الله تعالى يقول : { لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ } {[22133]} .

وقال قتادة : إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصلات{[22134]} : جعلها زينة للسماء ، وجعلها يهتدى بها ، وجعلها رجومًا [ للشياطين ]{[22135]} ، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه وتكلَّف ما لا علم له به . وإن ناسًا جَهَلَة بأمر الله ، قد{[22136]} أحدثوا من هذه النجوم كهانة : من أعْرَس بنجم كذا وكذا ، كان كذا وكذا . ومَنْ سافر بنجم كذا وكذا ، كان كذا وكذا . ومَنْ ولد بنجم كذا وكذا ، كان كذا وكذا . ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود ، والقصير والطويل ، والحسن والدميم ، وما علْمُ هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب ! وقضى الله : أنه لا يعلم مَنْ في السموات والأرض الغيب إلا الله ، وما يشعرون أيان يبعثون .

رواه ابن أبي حاتم عنه بحروفه ، وهو كلام جليل متين صحيح .


[22133]:- أصله في الصحيحين لكن فيهما الشاهد قوله تعالى : (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) بدل هذه الآية : (قل لا يعلم من في السموات).
[22134]:- في ف ، أ : "خصال".
[22135]:- زيادة من ف ، أ.
[22136]:- في ف ، أ : "فقد".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

{ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } لما بين اختصاصه تعالى بالقدرة التامة الفائقة العامة اتبعه ما هو كاللازم له ، وهو التفرد بعلم الغيب والاستثناء منقطع ، ورفع المستثنى على اللغة التميمية للدلالة على انه تعالى إن كان ممن في السماوات والأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم ، أو متصل على أن المراد ممن في السماوات والأرض من تعلق علمه بها واطلع عليها اطلاع الحاضر فيها ، فإنه يعم الله تعالى وأولي العلم من خلقه وهو موصول أو موصوف . { وما يشعرون أيان يبعثون } متى ينشرون مركبة من " أي " " وآن " ، وقرئت بكسر الهمزة والضمير لمن وقيل للكفرة .