التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

ثم بعد أن بين - سبحانه - مواطن تضطرب فيها النفوس أردف ذلك بذكر عاقبة الصبر ، وجزائه الأسنى ، فقال : { وَبَشِّرِ الصابرين . الذين إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } .

الخطاب في قوله : { وَبَشِّرِ } للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من تتأتى منه البشارة .

والجملة عطف على { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } عطف المضمون على المضمون أي : الابتلاء حاصللكم وكذا البشارة لكن لمن صبر .

و { مُّصِيبَةٌ } اسم فاعل من الإِصابة ، والمرأ بها الآلأام الداخلة على النفس بسبب ما ينالها من الشدائد والمحن .

و { رَاجِعونَ } من الرجوع بمعنى مصير الشيء إلى ما كان عليه ، يقال : رجعت الدار إلى فلان إذا كلها مرة ثانية ، وهو نظير العود والمصير .

والمعنى : وبشر يا محمد بالرحمة العظيمة والإِحسان الجزيل ، أولئك الصابرين الذين من صفاتهم أنهم إذا نزلت بهم مصيبة ، في أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم ، أو غير ذلك ، قالوا : بألسنتهم وقلوبهم على سبيل التسليم المطلق لقضاء الله والرضا بقدره { إِنَّا للَّهِ } أي : إنا لله ملكا وعبودية ، والمالك يتصرف في ملكه ويقلبه من حال إلى حال كيف يشاء ، { وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } أي : وإنا إليه صائرون يوم القيامة فيجازينا على ما أمرنا به من الصبر والتسليم لقضائه عند نزول الشدائد التي ليس في استطاعتنا دفعها .

فقولهم : { إِنَّا للَّهِ } إقرار بالعبودية والملكية لله رب العالمين . وقولهم { وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } أي : وإنا إليه صائرون يوم القيامة فيجازينا على ما أمرنا به من الصبر والتسليم لقضائه عند نزول الشدائد التي ليس في استطاعتنا دفعها .

فقولهم : { إِنَّا للَّهِ } إقرار بالعبودية والملكية لله رب العالمين . وقولهم : { وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } إقرار بصحة البعث والحساب والثواب والعقاب يوم القيامة .

وليست هذه البشارة موجهة إلى الذين يقولون بألسنتهم هذا القول مع الجزع وعدم الرضا بالقضاء والقدر ، وإنما هذه البشارة موجهة إلى الذين يتلقون المصائب بالسكينة والتسليم لقضاء الله لأول حلولها ، يشير إلى هذا قوله- تعالى- : { الذين إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ } فإنه يدل على أنهم يقولون ذلك وقت الإِصابة " ويصرح بهذا قوله صلى الله عليه وسلم " الصبر عند الصدمة الأولى " .

وهذه الجملة الكريمة وهي قوله - تعالى - : { الذين إِذَآ أَصَابَتْهُم } . . إلخ وصف كريم لأولئك الصابرين ، لأنها أفادت أن صبرهم أكمل الصبر ، إذ هو صبر مقترن ببصيرة مستنيرة جعلتهم يقرون عن عقيدة صاقدة أنهم ملك لله يتصسرف فيهم كيف يشاء ، ومن ربط نفسه بعقيدة أنه ملك لله وأن المرجع إليه ، يكون بذلك قد هيأها للصبر الجميل عند كل مصيبة تفاجئه .

قال القرطبي : جعل الله هذه الكلمات وهي قوله - تعالى - { إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } ملجأ لذوي المصائب ، وعصمة للممتحنين ، لما جمعت من المعاني المباركة ، فإن قوله { إِنَّا للَّهِ } توحيد وإقرار بالعبودية والملك وقوله { وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } إقرار بالهلك على أنفسنا والبعث من قبورنا ، واليقين أن رجعوا الأمر كله إلريه كما هو له . قال سعيد بن جبير : لم تعط هذه الكلمات نبياً قبل نبينا ، ولو عرفها يعقوب لما قال : يا أسفي على يوسف " .

هذا ، ولا يتنافى مع الصبر ما يكون من الحزن عند الحصول المصيبة ، فقد ورد في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى عند موت ابنه إبراهيم وقال : العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " .

وإنما الذي ينافيه ويؤاخذ الإِنسان عليه ، الجزع المفضي إلى إنكار حكمة الله فيما نزل به من بأساء أو ضراء ، أو إلى فعل ما حرمه الإِسلام من نحو النياحة وشق الجيوب ، ولطم الخدود .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

ثم بيَنَّ تعالى مَنِ الصابرون{[2978]} الذين شكرهم ، قال : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي : تسلَّوا بقولهم هذا عما أصابهم ، وعلموا أنَّهم ملك لله يتصرف في عبيده بما{[2979]} يشاء ، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَّة يوم القيامة ، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده ، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة .

/خ157


[2978]:في جـ: "الصابرين".
[2979]:في جـ: "كيف".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنّا للّهِ وَإِنّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ }

يعني تعالى ذكره : وبشر يا محمد الصابرين ، الذين يعلمون أن جميع ما بهم من نعمة فمني ، فيقرّون بعبوديتي ، ويوحدونني بالربوبية ، ويصدّقون بالمعاد والرجوع إليّ فيستسلمون لقضائي ، ويرجون ثوابي ويخافون عقابي ، ويقولون عند امتحاني إياهم ببعض محني ، وابتلائي إياهم بما وعدتهم أن أبتليهم به من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك من المصائب التي أنا ممتحنهم بها . إنا مماليك ربنا ومعبودنا أحياء ونحن عبيده وإنا إليه بعد مماتنا صائرون تسليما لقضائي ورضا بأحكامي .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

{ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لمن تتأتى منه البشارة . والمصيبة تعم ما يصيب الإنسان من مكروه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة " . وليس الصبر بالاسترجاع باللسان ، بل به وبالقلب بأن يتصور ما خلق لأجله ، وأنه راجع إلى ربه ، ويتذكر نعم الله عليه ليرى أن ما بقي عليه أضعاف ما استرده منه فيهون على نفسه ، ويستسلم له . والمبشر به محذوف دل عليه .