التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

ثم بين - سبحانه - ما أعده للصابرين من أجر جزيل فقال : { أولئك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وأولئك هُمُ المهتدون } .

{ أولئك } اسم إشارة أتى به - سبحانه - للتنبيه على أن المشار إليه هم الموصوفون بجميع الصفات السابقة على اسم الإِشارة ، وأن الحكم الذي ورد بعد مترتب على هذه الأوصاف .

و { صَلَوَاتٌ } جمع صلاة . وصلاة الله على عباده إقباله عليهم . بالثناء والعطف والمغفرة . وجمعت مراعاة لكثرة ما يترتب عليها من أنواع الخيرات في الدنيا والآخرة .

{ وَرَحْمَةٌ } - كما هو مذهب السلف - صفة قائمة بذانه - تعالى - لا نعرف حقيقتها وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان .

وعطف - سبحانه - الرحمة على الصلوات ليدل على أن بعد ذلك الإِقبال منه على عباده إنعاماً واسعاً ، وعطاء جزيلاً في الدنيا والآخرة .

وجاءت الرحمة مفردة على أصل المصادر وهو الإِفراد ، والمقام في الآية يذهب بذهن السامع إلى كثرة الإِنعام المترتب على الصبر الجميل .

والجملة { أولئك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } استثنافية جواب عن سؤال تقديره : بماذا بشر الله الصابرين ؟ فكان الجواب : أولئك عليهم صلوات . . . إلخ .

والمعنى : أولئك الصابرون المحتسبون الموصوفون بتلك الصفات الكريمة ، عليهم مغفرة عظيمة من خالقهم ، وإحسان منه - سبحانه - يشملهم في دنياهم وآخرتهم { وأولئك هُمُ المهتدون } لطريق الصواب بالتسليم وقت صدمة المصيبة دون غيرهم ممن جزعوا عند صدمتها ، حتى صدر عنهم ما لم يأذن به الله .

هذا ، وفي فضل الصبر والصابرين وردت آيات كثيرة ، وأحاديث متعددة أما الآيات فيزيد عددها في القرآن على سبعين آية منها قوله - تعالى - { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ } وقوله { وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وقوله : { أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ } وقوله : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } إلى غير ذلك من الآيات .

وأما الأحاديث فمنها ما جاء في صحيح مسلم عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيراًمنها "

قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت : من خير من أبي سلمة : صاحب رسول الله ؟ ثم عزم الله لي فقلتها : قالت : فتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومنها ما رواه الإِمام أحمد بسنده عن أبي سنان قال : دفنت ابنا لي . وإني لفي القبر أخذ بيدي أبو طلحة " يعني الخولاني " فأخرجني وقال : ألا أبشرك ؟ قال قلت : بلى . قال : حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عوزب عن أبي موسى الأشعري قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله - تعالى - : يا ملك الموت ، قبضت ولد عبدي ، قبضت قرةعينه وثمرة فؤاده ؟ قال : نعم . قال فماذا قال ؟ قال حمدك واسترجع . قال الله- تعالى - : " ابنوا لي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد " .

ومنها ما رواه الشيخان عن أبي سعيد وأبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " .

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي وردت في ثواب الاسترجاع وفي أجر الصابرين وفضلهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

ولهذا أخبر تعالى عما{[2980]} أعطاهم على ذلك فقال : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ } أي : ثناء من الله عليهم ورحمة .

قال سعيد بن جبير : أي أَمَنَةٌ من العذاب { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : نعم العدْلان ونعمت العلاوة { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } فهذان العدلان { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } فهذه العلاوة ، وهي ما توضع بين العدلين ، وهي زيادة في الحمل وكذلك هؤلاء ، أعطوا ثوابهم وزيدوا{[2981]} أيضًا .

/خ157


[2980]:في جـ: "بما".
[2981]:في جـ: "ويزيدوا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

القول في تأويل قوله تعالى : { أُولََئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مّن رّبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }

يعني تعالى ذكره بقوله : أُولَئِكَ هؤلاء الصابرون الذين وصفهم ونعتهم عليهم ، يعني لهم صلوات يعني مغفرة . وصلوات الله على عباده : غفرانه لعباده ، كالذي رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «اللّهُمّ صَلّ على آل أبي أوْفَى » يعني اغفر لهم . وقد بينا الصلاة وما أصلها في غير هذا الموضع .

وقوله : وَرَحْمَةٌ يعني ولهم مع المغفرة التي بها صفح عن ذنوبهم وتغمدها رحمة من الله ورأفة .

ثم أخبر تعالى ذكره مع الذي ذكر أنه معطيهم على اصطبارهم على محنه تسليما منهم لقضائه من المغفرة والرحمة أنهم هم المهتدون المصيبون طريق الحقّ والقائلون ما يرضى عنهم والفاعلون ما استوجبوا به من الله الجزيل من الثواب . وقد بينا معنى الاهتداء فيما مضى فإنه بمعنى الرشد بالصواب . وبمعنى ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : الّذِينَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنّا لِلّهِ وإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ قال : أخبر الله أن المؤمن إذا سلم الأمر إلى الله ورجع واسترجع عند المصيبة ، كتب له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبيل الهدى . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ المُصِيبَةِ جَبَرَ اللّهُ مُصِيبَتَهُ ، وأحْسَنَ عُقْبَاهُ ، وَجَعَلَ لَهُ خَلَفا صَالِحا يَرْضَاهُ » .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبّهِمْ وَرَحْمَةٌ يقول : الصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان العصفري ، عن سعيد بن جبير ، قال : ما أعطي أحد ما أعطيت هذه الأمة : الّذِينَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنّا لِلّهِ وإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبّهِمْ وَرَحْمَةٌ ولو أعطيها أحد لأُعطيها يعقوب عليه السلام ، ألم تسمع إلى قوله : يا أسَفَى عَلَى يُوسُفَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

{ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة } الصلاة في الأصل الدعاء ، ومن الله تعالى التزكية والمغفرة . وجمعها للتنبيه على كثرتها وتنوعها . والمراد بالرحمة اللطف والإحسان . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من استرجع عند المصيبة ، جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفا صالحا يرضاه " { وأولئك هم المهتدون } للحق والصواب حيث استرجعوا وسلموا لقضاء الله تعالى .