التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا} (2)

ثم وصف - سبحانه - ذاته بجملة من الصفات التى توجب له العبادة والطاعة فقال : { الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض } فهو الخالق لهما . وهو المالك لأمرهما ، لا يشاركه فى ذلك مشارك .

والجملة الكريمة خبر لمبتدأ محذوف . أو بدل من قوله : { الذي نَزَّلَ } .

{ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } فهو - سبحانه - منزه عن ذلك وعن كل ما من شأنه أن يشبه الحوادث .

{ وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ } بل هو المالك وحده لكل شىء فى هذا الوجود .

{ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } أى : وهو - سبحانه - الذى خلق كل شىء فى هذا الوجود خلقا متقنا حكيما بديعا فى هيئته ، وفى زمانه ، وفى مكانه ، وفى وظيفته ، على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته . وصدق الله إذ يقول : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } فجملة " فقدره تقديرا " بيان لما اشتمل عليه هذا الخلق من إحسان واتقان فهو - سبحانه - لم يكتف بمجرد إيجاد الشىء من العدم ، وإنما أوجده فى تلك الصورة البديعة التى عبر عنها فى آية أخرى بقوله : { . . . صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ . . } قال صاحب الكشاف : فإن قلت : فى الخلق معنى التقدير . فما معنى قوله : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } .

قلت : معناه أنه أحدث كل شىء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية ، فقدره وهيأه لما يصلح له . مثاله : أنه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدر المسوى الذى تراه ، فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به فى بابى الدين والدنيا ، وكذلك كل حيوان وجماد ، جاء به على الجبلة المستوية المقدرة بأمثلة الحكمة والتدبير . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا} (2)

أي : الذي أرسلني هو مالك السموات والأرض ، الذي يقول للشيء كن فيكون ، وهو الذي يحيي ويميت ، وهكذا قال هاهنا : { الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ } ، فَنزه نفسه عن الولد ، وعن الشريك .

ثم أخبر أنه : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } أي : كل شيء مما سواه مخلوق مربوب ، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه ، وكل شيء تحت قهره [ وتسخيره ]{[21397]} ، وتدبيره وتقديره{[21398]} .


[21397]:- زيادة من ف ، أ.
[21398]:- في ف ، أ : "قهره وتقديره وتسخيره وتدبيره".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلّ شَيْءٍ فَقَدّرَهُ تَقْدِيراً } .

يقول تعالى ذكره : تَبَارَكَ الّذِي نَزّلَ الفُرْقانَ . . . الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ ف «الذي » من نعت «الذي » الأولى ، وهما جميعا في موضع رفع ، الأولى بقوله «تبارك » ، والثانية نعت لها . ويعني بقوله : الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ الذي له سلطان السموات والأرض يُنْفِذ في جميعها أمره وقضاءه ، ويُمْضِي في كلها أحكامه . يقول : فحقّ على من كان كذلك أن يطيعه أهل مملكته ومَنْ في سلطانه ولا يعصُوه ، يقول : فلا تعصُوا نذيري إليكم أيها الناس ، واتبعوه ، واعملوا بما جاءكم به من الحقّ . ولَمْ يَتّخِذْ وَلَدا يقول تكذيبا لمن أضاف إليه الولد وقال الملائكة بنات الله : ما اتخذ الذي نزّل الفرقان على عبده ولدا . فمن أضاف إليه ولدا فقد كذب وافترى على ربه . ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ في المُلْكِ يقول تكذيبا لمن كان يضيف الأُلوهة إلى الأصنام ويعبدها من دون الله من مشركي العرب ويقول في تلبيته «لَبّيك لا شريك لك ، إلاّ شريكا هو لك ، تملكه وما ملك » : كذب قائلوا هذا القول ، ما كان لله شريك في مُلكه وسلطانه فيصلح أن يُعْبد من دونه يقول تعالى ذكره : فأفرِدوا أيها الناس لربكم الذي نزّل الفرقان على عبده محمد نبيه صلى الله عليه وسلم الألُوهة ، وأخلِصوا له العبادة ، دون كلّ ما تعبدونه من دونه من الاَلهة والأصنام والملائكة والجنّ والإنس ، فإن كلّ ذلك خلقه وفي ملكه ، فلا تصلح العبادة إلا لله الذي هو مالك جمعي ذلك . وقوله : وَخَلَقَ كُلّ شَيْءٍ يقول تعالى ذكره : وخلق الذي نزل على محمد الفرقان كل شيء ، فالأشياء كلها خلقه ومِلْكه ، وعلى المماليك طاعة مالكهم وخدمة سيدهم دون غيره . يقول : وأنا خالقكم ومالككم ، فأخلصوا لي العبادة دون غيري . وقوله : فَقَدّرَهُ تَقْدِيرا يقول : فسوّى كلّ ما خلق وهيأه لما يصلح له ، فلا خَلَل فيه ولا تفاوت .