السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا} (2)

وقوله تعالى : { الذي له ملك السماوات والأرض } إشارة إلى احتياج هذه المخلوقات إليه سبحانه وتعالى حال حدوثها ، وأنه تعالى هو المتصرف فيها كيف يشاء ، فلا إنكار أن يرسل رسولاً إلى كل من فيها .

تنبيه : يجوز في الذي الرفع نعتاً للذي الأول أو بياناً أو بدلاً ، أو خبراً لمبتدأ محذوف والنصب على المدح ، وما بعده يدل على أنه من تمام الصلة ، فليس أجنبياً فلا يضر الفصل به بين الموصول الأول والثاني إذا جعلنا الثاني تابعاً له { ولم يتخذ ولداً } أي : هو الفرد أبداً ولا يصح أن يكون غيره تعالى معبوداً ووارثاً للملك عنه ، وهذا رد على النصارى ، { ولم يكن له شريك في الملك } أي : هو المنفرد بالألوهية ، وإذا عرف العبد ذلك انقطع رجاؤه عن كل من سواه تعالى ولم يشتغل قلبه إلا برحمته وإحسانه ، وفيه ردّ على الوثنية القائلين بعبادة النجوم والأوثان ، ولما نفى تعالى الشريك ، فكأن قائلاً يقول : هاهنا أقوام يعترفون بنفي الشريك والشركاء والأنداد ومع ذلك يقولون : يخلق أفعال أنفسهم ، فرد الله تعالى عليهم بقوله : { وخلق كل شيء } أي : من شأنه أن يخلق ومنه أفعال العباد ، والخلق هنا بمعنى الإحداث أي : أحدث كل شيء إحداثاً مراعى فيه التقدير والتسوية { فقدره تقديراً } أي : هيأه لما يصلح له ، مثاله أنه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدر الذي تراه ، فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابي الدين والدنيا ، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدرة ، وسمي إحداث الله خلقاً ؛ لأنه لا يحدث شيئاً لحكمة إلا على وجه التقدير من غير تفاوت .

فإذا قيل : خلق الله كذا ، فهو بمنزلة قولك : أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق ، فكأنه قيل : وأوجد كل شيء فقدره تقديراً في إيجاده ، ولم يوجده متفاوتاً ، ولو حمل خلق كل شيء على معناه الأصلي من التقدير لصار الكلام : وقدر كل شيء فقدره ، فلم يصر له كبير فائدة ، وقيل : فجعل له غاية ومنتهى ومعناه : فقدره للبقاء إلى أمد معلوم .