البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا} (2)

ولما سبق في أواخر السورة ألا إن لله ما في السموات والأرض فكان إخباراً بأن ما فيهما ملك له ، أخبر هنا أنه له ملكهما أي قهرهما وقهر ما فيهما ، فاجتمع له الملك والملك لهما .

ولما فيهما ، والذي مقطوع للمدح رفعاً أو نصباً أو نعت أو بد من { الذي نزل } وما بعد { نزل } من تمام الصلة ومتعلق به فلا يعد فاصلاً بين النعت أو البدل ومتبوعه .

{ ولم يتخذ ولداً } الظاهر نفي الاتخاذ أي لم ينزل أحداً منزلة الولد .

وقيل : المعنى لم يكن له ولد بمعنى قوله لم يلد لأن التوالد مستحيل عليه .

وفي ذلك رد على مشركي قريش وعلى النصارى واليهود الناسبين لله الولد .

{ ولم يكن له شريك في الملك } تأكيد لقوله { له ملك السموات والأرض } ورد على من جعل لله شريكاً .

{ وخلق كل شيء } عام في خلق الذوات وأفعالها .

قيل : وفي الكلام حذف تقديره { وخلق كل شيء } مما يصح خلقه لتخرج عنه ذاته وصفاته القديمة انتهى .

ولا يحتاج إلى هذا المحذوف لأن من قال : أكرمت كل رجل لا يدخل هو في العموم فكذلك لم يدخل في عموم { وخلق كل شيء } ذاته تعالى ولا صفاته القديمة .

{ فقدره تقديراً } إن كان الخلق بمعنى التقدير ، فكيف جاء { فقدره } إذ يصير المعنى وقدر كل شيء يقدره { تقديراً } .

فقال الزمخشري : المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثاً مراعى فيه التقدير والتسوية فقدره وهيأه لما يصلح له ، أو سمي إحداث الله خلقاً لأنه لا يحدث شيئاً لحكمته إلاّ على وجه التقدير من غير تفاوت .

فإذا قيل : خلق الله كذا فهو بمنزلة إحداث الله وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق ، فكأنه قيل : وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده متفاوتاً .

وقيل : فجعل له غاية ومنتهى ، ومعناه { فقدره } للبقاء إلى أمد معلوم .

وقال ابن عطية : تقدير الأشياء هو حدها بالأمكنة والأزمان والمقادير والمصلحة والاتقان انتهى .