اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا} (2)

قوله : { الذي لَهُ مُلْكُ } يجوز في «الّذِي » الرفع نعتاً للذي الأول{[35283]} ، أو بياناً{[35284]} ، أو بدلاً{[35285]} ، أو خبراً لمبتدأ محذوف{[35286]} ، أو النصب على المدح{[35287]} .

وما بعد بدل من تمام الصلة فليس أجنبياً ، فلا يضر الفصل به بين الموصول الأول والثاني إذا جعلنا الثاني تابعاً له{[35288]} .

فصل

{ الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض } إشارة إلى احتياج هذه المخلوقات إليه سبحانه حال حدوثها ، وأنه سبحانه هو المتصرف فيها كيف يشاء{[35289]} .

{ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } أي : هو الفرد أبداً ، ولا يصح أن يكون غيره معبوداً ووارثاً للملك عنه ، وهذا رد على النصارى{[35290]} . { ولم يكن له شريك في الملك } أي : هو المنفرد بالإلهية ، وإذا عرف العبد ذلك انقطع رجاؤه عن كل ما سواه ، ولم يشتغل قلبه إلا برحمته وإحسانه ، وفيه رد على الثنوية ، والقائلين بعبادة النجوم والأوثان{[35291]} .

قوله : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } الخلق هنا عبارة عن الإحداث والتهيئة لما يصلح له ، لا خلل فيه ولا تفاوت حتى{[35292]} يجيء قوله : «فقدره تقديراً » مفيداً{[35293]} إذ لو حملنا { خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } على معناه الأصلي من التقدير لصار الكلام : وقدر كل شيء فقدره{[35294]} .

فصل

قوله : { خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } يدل على أنه تعالى خلق الأعمال من وجهين :

الأول : أن قوله : «كل شيء » يتناول جميع الأشياء ، ومن جملتها أفعال العباد .

والثاني : أنه تعالى نفى الشريك ، فكأن قائلاً قال : ههنا أقوام معترفون بنفي الشريك والأنداد ومع ذلك يقولون بخلق أفعال أنفسهم ، فذكر الله تعالى هذه الآية رداً عليهم . قال القاضي : الآية تدل عليه لوجوه :

أحدها : أنه تعالى صرح بكون العبد خالقاً فقال : { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير } [ المائدة : 110 ] ، وقال : { فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين } [ المؤمنون : 14 ] و{[35295]}تمدح بأنه قدره تقديراً ، ولا يجوز أن يريد به إلا الحسن والحكمة دون غيره . فظاهر الآية لا يدل إلا على التقدير ، لأن الخلق عبارة عن التقدير ، فلا يتناول إلا ما يظهر فيه التقدير وهو الأجسام لا الأعراض . والجواب : أن قوله : «إِذْ تَخْلُقُ » ، وقوله : «أَحْسَنُ الخَالِقِينَ » معارض بقوله : { الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [ الزمر : 62 ] وبقوله : { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله } [ فاطر : 3 ] وقولهم : لا يجوز التمدح بخلق الفساد ، فالجواب : لم لا يجوز أن يتمدح به من حيث نفاذ القدرة {[35296]} .


[35283]:انظر البحر المحيط 6/480.
[35284]:وجاز ذلك لأن الموصول الثاني أخص من الموصول الأول.
[35285]:انظر الكشاف 3/88، التبيان 2/980، البحر المحيط 6/480.
[35286]:انظر التبيان 2/980.
[35287]:انظر الكشاف 3/88، التبيان 2/980، البحر المحيط 6/480.
[35288]:قال الزمخشري: (فإن قلت: كيف جاز الفصل بين البدل والمبدل منه؟ قلت: ما فصل بينهما بشيء، لأن المبدل منه صلته "نزل" و "ليكون" تعليلا له، فكان المبدل منه لم يتم إلا به) الكشاف 3/88، وقال أبو حيان: (وما بعد "نزل" من تمام الصلة ومتعلق به فلا يعد فاصلا بين النعت أو البدل ومتبوعه) البحر المحيط 6/480.
[35289]:انظر الفخر الرازي 24/46.
[35290]:المرجع السابق.
[35291]:المرجع السابق.
[35292]:في ب: قد.
[35293]:في ب: مفيد.
[35294]:انظر الكشاف 3/88، الفخر الرازي 24/47.
[35295]:و: سقط من ب.
[35296]:انظر الفخر الرازي 24/ 46 – 47.