ثم حرضهم - سبحانه - على الاستمرار فى اتباع توجيهات هذا الدين القيم فقال : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ واتقوه وَأَقِيمُواْ الصلاة } .
قال القرطبى : وفى أصل الإِنابة قولان : أحدهما ، أنه القطع . ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع ، فكأن الإِنابة هى الانقطاع إلى الله - عز وجل - بالطاعة . والثانى : أن أصله الرجوع ، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد أخرى ، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة ، ولفظ { مُنِيبِينَ } منصوب على الحال .
والمعنى : أقيموا وجوهكم - أيها الناس - لخالقكم وحده ، كونكم راجعين إليه بالتوبة والطاعة ، ومقبلين إليه بالاستغفار والعبادة ، ومتقين له فى كل أحوالكم ، ومداومين على إقامة الصلاة فى أوقاتها بخشوع واطمئنان .
{ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين } المبدلين لفطرة الله - تعالى - المتبعين لأهوائهم وشهواتهم .
( منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا . كل حزب بما لديهم فرحون ) . .
فهي الإنابة إلى الله والعودة في كل أمر إليه . وهي التقوى وحساسية الضمير ومراقبة الله في السر والعلانية ؛ والشعور به عند كل حركة وكل سكنة . وهي إقامة الصلاة للعبادة الخالصة لله . وهي التوحيد الخالص الذي يميز المؤمنين من المشركين . .
{ مُنِيبِينَ } حال من ضمير { فَأقِمْ } [ الروم : 30 ] للإشارة إلى أن الخطاب الموجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مراد منه نفسه والمؤمنون معه كما تقدم .
والمنيب : الملازم للطاعة . ويظهر أن معنى أناب صار ذا نوبة ، أي ذا رجوع متكرر وأن الهمزة فيه للصيرورة ، والنوبة : حصة من عمل يتوزعه عدد من الناس وأصلها : فَعْلَة بصيغة المرة لأنها مرة من النَّوْب وهو قيام أحد مقام غيره ، ومنه النيابة ، ويقال : تناوبوا عمل كذا . وفي حديث عمر : « كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوماً وأنزل يوماً » الحديث ، فإطلاق المنيب على المطيع استعارة لتعهد الطاعة تعهداً متكرراً ، وجعلت تلك الاستعارة كناية عن مواصلة الطاعة وملازمتها قال تعالى : { إن إبراهيم لحليم أوّاه مُنيب } في سورة هود ( 75 ) . وفسّرت الإنابة أيضاً بالتوبة . وقد قيل : إن ناب مرادف تاب ، وهو المناسب لقوله في الآية الموالية { دعوا ربهم منيبين إليه } [ الروم : 33 ] . والأمر الذي في قوله { واتقوه وأقيموا الصلاة } مستعمل في طلب الدوام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.