التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ} (46)

ثم ذكرهم - سبحانه - بنعمه عليهم فى خلقهم وتكوينهم ، وبين لهم إذا سلبهم شيئاً من حواسهم فإنهم لا يتجهون إلا إليه فقال - تعالى - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ . . .

المعنى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الجاحدين : أخبرونى إن سلب الله عنكم نعمتى السمع والبصر فأصبحتم لا تسمعون ولا تبصرون ، وختم على قلوبكم فصرتم لا تفقهون شيئاً ، من إله غيره يقدر على رد ما سلب منكم وأنتم تعرفون ذلك ولا تنكرونه فلماذا تشركون معه آلهة أخرى ؟ ثم التفت عنهم إلى التعجيب من حالهم فقال - تعالى - { انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } أى : انظر كيف ننوع الآيات والحجج والبراهين فنجعلها على وجوه شتى ليتعظوا ويعتبروا ثم هم بعد ذلك يعرضون عن الحق ، وينأون عن طريق الرشاد .

والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَرَأَيْتُمْ } للتنبيه أى : إن لم تكونوا قد رأيتم ذلك فتبينوه وتأملوا ما يدل عليه .

والضمير فى { بِهِ } يعود إلى المأخوذ وهو السمع والبصر والفؤاد .

وفى قوله { انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } تعجيب من عدم تأثرهم رغم كثرة الدلائل وتنوعها من أسلوب إلى أسلوب .

وجملة { ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } معطوفة على جملة نصرف الآيات وداخلة فى حكمها ، وكان العطف بثم لإفادة الاستبعاد المعنوى ، لأن تصريف الآيات والدلائل يدعو إلى الإقبال ، فكان من المستبعد فى العقول والأفهام أن يترتب عليه الإعراض والابتعاد .

قال القرطبى : { يَصْدِفُونَ } أى : يعرضون . يقال : صدق عن الشىء إذا أعرض صدفا وصدوفا فهو صادف . فهم ماثلون معرضون عن الحجج والدلالات

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ} (46)

40

بعد ذلك يقف السياق القرآني المشركين بالله ، أمام بأس الله ، في ذوات أنفسهم ، في أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم ، وهم عاجزون عن رده ، وهم لا يجدون كذلك إلها غير الله ، يرد عليهم أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم إن أخذها الله منهم :

( قل : أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم ، من إله غير الله يأتيكم به ؟ انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ! ) . .

وهو مشهد تصويري يجسم لهم عجزهم أمام بأس الله من جانب ، كما يصور لهم حقيقة ما يشركون به من دون الله في موقف الجد من جانب . . ولكن هذا المشهد يهزهم من الأعماق . . إن خالق الفطرة البشرية يعلم أنها تدرك ما في هذا المشهد التصويري من جد ، وما وراءه من حق . . أنها تدرك أن الله قادر على أن يفعل بها هذا . قادر على أن يأخذ الأسماع والأبصار ، وأن يختم على القلوب ، فلا تعود هذه الأجهزة تؤدي وظائفها . وأنه - إن فعل ذلك - فليس هناك من إله غيره يرد بأسه . .

وفي ظلال هذا المشهد ، الذي يبعث بالرجفة في القلوب والأوصال ، ويقرر في الوقت ذاته تفاهة عقيدة الشرك ، وضلال اتخاذ الأولياء من دون الله . . في ظلال هذا المشهد يعجب من أمر هؤلاء الذين يصرف لهم الآيات ، وينوعها ، ثم هم يميلون عنها كالبعير الذي يصدف أي يميل بخفة إلى الجانب الوحشي الخارجي من مرض يصيبه !

( انظر كيف نصرف الآيات ، ثم هم يصدفون ! ) . .

وهو تعجيب مصحوب بمشهد الصدوف ! المعروف عند العرب ، والذي يذكرهم بمشهد البعير المؤوف ! فيثير في النفس السخرية والاستخفاف والعزوف !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ} (46)

هذا ابتداء احتجاج على الكفار ، و { أخذ الله } معناه أذهبه وانتزعه بقدرته ، ووحد السمع لأنه مصدر مفرد يدل على جمع ، والضمير في { به } عائد على المأخوذ ، وقيل على السمع ، وقيل على الهدى الذي تضمنه المعنى ، وقرأ الأعرج وغيره «بهُ انظر » بضم الهاء ، ورواها المسيبي وأبو وقرة عن نافع ، و { يصدقون } معناه يعرضون وينفرون ، ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]

إذا ذَكَرْنَ حديثاً قُلْنَ أحْسَنَهُ . . . وهنَّ عَنْ كُلِّ سُوءٍ يُتَّقَى صُدُقَا{[4922]}

قال النقاش : في الآية دليل على تفضيل السمع على البصر لتقدمه هنا ، ثم احتج لذلك بقوله : { إنما يستجيب الذين يسمعون } [ الأنعام : 36 ] وبغير ذلك ، والاستفهام في قوله : { من إله } معناه التوقيف ، أي ليس ثمة إله سواه ، فما بال تعلقكم بالأصنام وتمسككم بها وهي لا تدفع ضرراً ولا تأتي بخير ، وتصريف الآيات هو نصب العبر ومجيء آيات القرآن بالإنذار والاعذار والبشارة ونحوه .