غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ} (46)

38

ثم عاد إلى الدلالة على وجود الصانع الحكيم المختار وبيان وحدته جل جلاله فقال { قل أرأيتم إن أخذ الله } وتقرير ذلك أن أشرف أعضاء الإنسان هو السمع والبصر والقلب كما عدّدنا منافعها في أوائل الكتاب ، ولا ريب أن القادر على تحصيل قواها فيه وصرفها عن الآفات والمخافات ليس إلا الله وحده ، ومعنى أخذ السمع والبصر تعطيل منافعهما ، ومعنى الختم على القلب إزالة العقل حتى يصير كالمجانين . قال ابن عباس : إنه الطبع أو الإماتة حتى لا يعقل الهدى والصلاح { يأتيكم به } أي بذلك الذي أخذ من السمع والبصر والقلب ، فوضع الضمير موضع اسم الإشارة بناء على أن الضمير المذكور بحكم الاستعمال يلزم أن يكون لذي عقل ولو فرضاً . والأحسن أن يقال : إنه ذكر أشياء متعددة فوجب أن يعود الضمير إلى جميعها مؤنثاً إذ لا ترجيح ، وحيث لم يكن الضمير مؤنثاً علم أنه أراد المذكور مطلقاً فتعين أم يشار إليه بذلك . ثم إنه أقام الضمير المذكور مقامه أو يعود إلى ما أخذ وختم عليه وصح من غير التكلف المذكور بحكم التغليب { انظر } يا محمداً وكل من له أهلية النظر { كيف نصرف الآيات } نوردها على الوجوه المختلفة المتكاثرة بحيث يكون كل واحد منها يقوّي ما قبله في الإيصال إلى المطلوب . ومعنى «ثم » التفاوت بين الحالين و{ يصدفون } أي يعرضون . ويقال : امرأة صدوف للتي تعرض وجهها عليك ثم تصدف أي تعرض . والصدف ميل في الحافر إلى الشق الوحشي . وصدف الدرة غشاؤها لميل فيه ، قال الكعبي : لو خلق الله فيهم الإعراض والصد لم ينكر ذلك عليهم . وقالت الأشاعرة : لولا منع الله تعالى لنجع فيهم الدلائل القاطعة للأعذار .

/خ50