إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ} (46)

{ قُلْ أَرَأيْتُمْ } أمرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتكرير التبكيت عليهم وتثنيةِ الإلزامِ بعد تكملةِ الإلزامِ الأولِ ببيان أنه أمرٌ مستمرٌ لم يزَلْ جارياً في الأمم ، وهذا أيضاً استخبارٌ عن متعلَّق الرؤية وإن كان بحسَب الظاهرِ استخباراً عن نفسِ الرؤية { إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وأبصاركم } بأن أصَمّكم وأعماكم بالكلية { وَخَتَمَ على قُلُوبِكُمْ } بأن غطى عليها بما لا يبقى لكم معه عقلٌ وفهمٌ أصلاً وتصيرون مجانين ، ويجوز أن يكون الختمُ عطفاً تفسيرياً للأخذ المذكور فإن السمعَ والبصر طريقان للقلب ، منهما يرِدُ ما يرِدُه من المدرَكات ، فأخذُهما سدٌّ لِبابه بالكلية ، وهو السر في تقديم أخذِهما على ختمها ، وأما تقديمُ السمع على الإبصار فلأنه مورِدُ الآياتِ القرآنية ، وإفرادُه لما أن أصله مصدَرٌ وقوله تعالى : { من إِلَهٌ } مبتدأ وخبرٌ و( من ) استفهامية ، وقوله تعالى : { غَيْرُ الله } صفةٌ للخبر ، وقوله تعالى : { يَأْتِيكُمْ بِهِ } أي بذاك على أن الضميرَ مستعارٌ لاسم الإشارة ، أو بما أَخَذ وخَتَم عليه ، صفةٌ أخرى له والجملة متعلَّقُ الرؤية ومناطُ الاستخبار أي أخبروني إنْ سلب الله مشاعرَكم من إله غيرُه تعالى يأتيكم بها . وقوله تعالى : { انظر كَيْفَ نُصَرّفُ الآيات } تعجيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عدم تأثُّرِهم بما عاينوا من الآيات الباهرةِ أي انظر كيف نكرِّرها ونقرِّرها مصروفةً من أسلوب إلى أسلوب ، تارةً بترتيب المقدِّمات العقلية وتارةً بطريق الترغيب والترهيب ، وتارةً بالتنبيه والتذكير { ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ } عطفٌ على نصرِّف داخلٌ في حكمه ، وهو العُمدة في التعجيب و( ثم ) لاستبعاد صدوفهم أي إعراضِهم عن تلك الآيات بعد تصريفها على هذا النمط البديعِ الموجبِ للإقبال عليها .