التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

والمراد بالوراثة فى قوله { يَرِثُنِي } وراثة العلم والنبوة والصفات الحميدة .

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : " وقوله : { وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي } قرأ الأكثرون بنصب الياء من الموالى على أنه مفعول ، وعن الكسائى أنه سكن الياء . . .

ووجه خوفه أنه خشى أن يتصرفوا من بعده فى الناس تصرفاً سيئاً . فسأل الله ولداً يكون نبيا من بعده ليسوسهم بنبوته . . . لا أنه خشى من وراثتهم له ماله . فإن النبى أعظم منزلة وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى هذا الحد ، وأن يأنف من وراثة عصبته له ، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم .

وقد ثبت فى الصحيحين من غير وجه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا نورث ما تركنا صدقة " وفى رواية عند الترمذى بإسناد صحيح : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " .

وعلى هذا فتعين حمل قوله { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي } على ميراث النبوة ولهذا قال : { وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } كقوله : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } أى : فى النبوة ، إذ لو كان فى الال لما خصه من بين إخوته بذلك ، ولما كان فى الإخبار بذلك كبير فائدة ، إذ من المعلوم المستقر فى جيمع الشرائع والملل ، أن الولد يرث أباه ، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها ، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح فى الحديث : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " .

وقال بعض العلماء ما ملخصه : ومعنى { يَرِثُنِي } أى : إرث علم ونبوة ، ودعوة إلى الله والقيام بدينه ، لا إرث مال ، ويدل لذلك أمران :

أحدهما قوله : { وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } ومعلوم أن آل يعقوب انقرضوا من زمان ، فلا يورث عنهم إلا العلم والنبوة والدين .

والأمر الثانى ما جاء من الأدلة أن الأنبياء - صلولات الله وسلامه عليهم - لا يورث عنهم المال ، وإنما يورث عنهم العلم والدين ، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان عن أبى بكر الصديق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا نورث ما تركنا صدقة " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

ذلك ما يخشاه . فأما ما يطلبه فهو الولي الصالح ، الذي يحسن الوراثة ، ويحسن القيام على تراثه وتراث النبوة من آبائه وأجداده : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) .

ولا ينسى زكريا ، النبي الصالح ، أن يصور أمله في ذلك الوريث الذي يرجوه في كبرته : ( واجعله رب رضيا )لا جبارا ولا غليظا ، ولا متبطرا ولا طموعا . ولفظة( رضي )تلقي هذه الظلال . فالرضي الذي يرضى ويرضي . وينشر ظلال الرضى فيما حوله ومن حوله .

ذلك دعاء زكريا لربه في ضراعة وخفية . والألفاظ والمعاني والإيقاع الرخي . كلها تشارك في تصوير مشهد الدعاء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا} (6)

{ يرثني ويرث من آل يعقوب } صفتان له وجزمهما أبو عمرو والكسائي على أنهما جواب الدعاء ، والمراد وراثة الشرع والعلم فإن الأنبياء لا يورثون المال . وقيل يرثني الحبورة فإنه كان حبرا ، ويرث من آل يعقوب الملك ، وهو يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام . وقيل يعقوب كان أخا زكريا أو عمران بن ماثان من نسل سليمان عليه السلام . وقرئ " يرثني وارث آل يعقوب " على الحال من أحد الضميرين ، وأو " يرث " بالتصغير لصغره ووارث من آل يعقوب على أنه فاعل يرثني وهذا يسمى التجريد في علم البيان لأنه جرد عن المذكور أولا مع أنه المراد { واجعله رب رضيا } ترضاه قولا وعملا .