التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا} (11)

ثم ذكر - سبحانه - جانبا من قصة زعيم من زعماء المشركين . افترى الكذب على الله - تعالى - وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فكانت عاقبته العذاب المهين ، فقال - تعالى - : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً . وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً . وَبَنِينَ شُهُوداً . وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً . ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ . كَلاَّ . . . } .

وقد ذكر المفسرون أن هذه الآيات نزلت فى شأن الوليد بن المغيرة المخزومى ، وذكروا فى ذلك روايات منها : أن المشركين عندما اجتمعوا فى دار الندوة ، ليتشاوروا فيما يقولونه فى شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وفى شأن القرآن الكريم - قبل أن تقدم عليهم وفود العرب للحج . فقال بعضهم : هو شاعر ، وقال آخرون بل هو كاهن . . أو مجنون . . وأخذ الوليد يفكر ويرد عليهم ، ثم قال بعد أن فكر وقدر : ما هذا الذى يقوله محمد صلى الله عليه وسلم إلا سحر يؤثر ، أما ترونه يفرق بين الرجل وامرأته ، وبين الأخ وأخيه . .

قال الآلوسى : نزلت هذه الآيات فى الوليد بن المغيرة المخزومى ، كما روى عن ابن عباس وغيره . بل قيل : كونها فيه متفق عليه . . وقوله : { وَحِيداً } حال من الياء فى { ذَرْنِي } أى : ذرنى وحدى معه فأنا أغنيك فى الانتقام منه ، أو من التاء فى خلقت أى : خلقته وحدى ، لم يشركنى فى خلقه أحد ، فأنا أهلكه دون أن أحتاج إلى ناصر فى إهلاكه ، أو من الضمير المحذوف العائد على " مَن " أى : ذرنى ومن خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد .

. وكان الوليد يلقب فى قومه بالوحيد . . لتفرده بمزايا ليست فى غيره - فتهكم الله - تعالى - به وبلقبه ، أو صرف هذا اللقب من المدح إلى الذم .

أى : اصبر - أيها الرسول الكريم - على ما يقوله أعداؤك فيك من كذب وبهتان ، واتركنى وهذا الذى خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد ثم أعطيته الكثير من النعم ، فلم يشكرنى على ذلك .

والتعبير بقوله { ذَرْنِي } للتهديد والوعيد ، وهذا الفعل يأتى منه الأمر والمضارع فحسب ، ولم يسمع منه فعل ماض .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا} (11)

11

( ذرني ومن خلقت وحيدا ) . .

والخطاب للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ومعناه خل بيني وبين هذا الذي خلقته وحيدا مجردا من كل شيء آخر مما يعتز به من مال كثير ممدود وبنين حاضرين شهود ونعم يتبطر بها ويختال ويطلب المزيد . خل بيني وبينه ولا تشغل بالك بمكره وكيده . فأنا سأتولى حربه . . وهنا يرتعش الحس ارتعاشة الفزع المزلزل ؛ وهو يتصور انطلاق القوة التي لا حد لها . . قوة الجبار القهار . . لتسحق هذا المخلوق المضعوف المسكين الهزيل الضئيل ! وهي الرعشة التي يطلقها النص القرآني في قلب القارئ والسامع الآمنين منها . فما بال الذي تتجه إليه وتواجهه !

ويطيل النص في وصف حال هذا المخلوق ، وما آتاه الله من نعمه وآلائه ، قبل أن يذكر إعراضه وعناده . فهو قد خلقه وحيدا مجردا من كل شيء حتى من ثيابه ! ثم جعل له مالا كثيرا ممدودا . ورزقه بنين من حوله حاضرين شهودا ، فهو منهم في أنس وعزوة . ومهد له الحياة تمهيدا ويسرها له تيسيرا . . ( ثم يطمع أن أزيد ) . . فهو لا يقنع بما أوتي ، ولا يشكر ويكتفي . . أم لعله يطمع في أن ينزل عليه الوحي وأن يعطى كتابا كما سيجيء في آخر السورة : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) . . فقد كان ممن يحسدون الرسول[ صلى الله عليه وسلم ] على إعطائه النبوة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا} (11)

يقول تعالى متوعدا لهذا الخبيث الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا ، فكفر بأنعم الله ، وبدلها كفرا ، وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها ، وجعلها من قول البشر . وقد عدد الله عليه نعَمه حيث قال : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } أي : خرج من بطن أمه وحده لا مال له ولا ولد ،

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا} (11)

قوله تعالى : { ذرني ومن خلقت وحيداً } وعيد محض ، المعنى أنا أكفي عقابه وشأنه كله . ولا خلاف بين المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي ، فروي أنه كان يلقب الوحيد ، أي لأنه لا نظير له في ماله وشرفه في بيته ، فذكر الوحيد في الآية في جملة النعمة التي أعطي وإن لم يثبت هذا ، فقوله تعالى : { خلقت وحيداً } معناه منفرداً قليلاً ذليلاً ، فجعلت له المال والبنين{[11420]} ، فجار ذكر الوحدة مقدمة حسن معها وقوع المال والبنين ، وقيل المعنى خلقته وحدي لم يشركني فيه أحد ، ف { وحيداً } حال من التاء في { خلقت }{[11421]} .


[11420]:فتكون (وحيدا) حالا من الضمير المحذوف العائد على (من) في قوله تعالى: (ومن خلقت).
[11421]:وقيل: يجوز ان يكون حالا من ضمير النصب في (ذرني)، ويكون المعنى: ذرني وحدي معه فأنا أجزيك في الانتقام منه.