التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٖ قَدَّرُوهَا تَقۡدِيرٗا} (16)

وبعد أن وصف - سبحانه - جانبا من طعامهم ولباسهم ومسكنهم أخذت السورة الكريمة فى وصف شرابهم . فقال - تعالى - : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ . قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً }

وقوله : { وَيُطَافُ } من الطواف ، وهو السعى المكرر حول الشئ ، ومنه الطواف بالكعبة . والآونية : جمع إناء ، وهو اسم لكل وعاء يوضع فيه الطعام والشراب والمراد بها هنا : الأوانى : التى يستعملونها فى مجالس شرابهم .

والأكواب : جمع كوب ، وهو القدح الذى لا عروة له ، وعطفه على الآنية من باب عطف الخاص على العام .

والقوارير : جمع قارورة وهى فى الأصل إناء رقيق من الزجاج النقى الشفاف ، توضع فيه الأشربة وما يشبهها ، فتستقر فيه .

أى : ويطاف على هؤلاء الأبرار بآنية كائنة من فضة ، وبأكواب وأقداح من فضة - أيضاً - وجعلت هذه الأكواب فى مثل القوارير فى صفائها ونقائها ، وفى مثل الفضة فى جمالها وحسنها ، بحيث يرى ما بداخلها من خارجها .

وقوله - سبحانه - { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أى : إن الطائفين بهذه الأكواب عليهم ، قد وضعوا فيها من الشراب على مقدار ما يشبع هؤلاء الأبرار ويرويهم بدون زيادة أو نقصان والطائفون عليهم بذلك هم الخدم الذين جعلهم الله - تعالى - لخدمة هؤلاء الأبرار . وبنى الفعل للمجهول للعلم بهم .

وقال - سبحانه - هنا { بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ } وفى سورة الزخرف { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ . . . } زيادة فى تكريمهم وفى سمو منزلتهم ، إذ تارة يطاف عليهم بأكواب من فضة ، وتارة يطاف عليهم بصحاف من ذهب ، ومن المعروف أنه كلما تعددت المناظر الحسنة ، والمشارب اللذيذة ، كان ذلك أبهج للنفس .

والمراد بالكينونة فى قوله - تعالى - { كَانَتْ قَوَارِيرَاْ . . . } أنها تكونت ووجدت على هذه الصفة .

قال الآلوسى : قوله - تعالى - { كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } أى : كانت تلك الأكواب قوارير ، جمع قارورة ، وهى إناء رقيق من الزجاج توضع فيه الأشربة ، ونصبه على الحال ، فإن " كان " تامة ، وهو كما تقول : خلقت قوارير . وقوله - تعالى - : { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } بدل .

والكلام على التشبيه البليغ .

والمراد تكونت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها ، ولون الفضة وبياضها .

وقرأ نافع والكسائى وأبو بكر بتنوين { قَوَارِيرَاْ } فى الموضعين وصلا ، وإبداله ألفا وقفا . وابن كثير يمنع صرف الثانى ويصرف الأول . . والقراءة بمنع صرفهما للباقين .

وقال الشوكانى : وجملة " قدرها تقديرا " صفة لقوارير . . أى : قدرها السقاة من الخدم ، الذين يطوفون عليهم على قدر ما يحتاج إليه الشاربون من أهل الجنة ، من دون زيادة ولا نقصان . . ، وقيل : قدرها الملائكة . وقيل : قدرها الشاربون لها من أهل الجنة على مقدار حاجتهم ، فجاءت كما يريدون فى الشكل لا تزيد ولا تنقص . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٖ قَدَّرُوهَا تَقۡدِيرٗا} (16)

مما لم تعهده الأرض في آنية الفضة . وهي بأحجام مقدرة تقديرا يحقق المتاع والجمال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٖ قَدَّرُوهَا تَقۡدِيرٗا} (16)

وقوله{[29605]} : { قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ } فالأول منصوب بخبر " كان " أي : كانت قوارير . والثاني منصوب إما على البدلية {[29606]} أو تمييز ؛ لأنه بينه بقوله : { قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ }

قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن البصري ، وغير واحد : بياض الفضة في صفاء الزجاج ، والقوارير لا تكون إلا من زجاج . فهذه الأكواب هي من فضة ، وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها ، وهذا مما لا نظير له في الدنيا .

قال ابن المبارك ، عن إسماعيل ، عن رجل ، عن ابن عباس : ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة . رواه ابن أبي حاتم .

وقوله : { قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا } أي : على قدر ريّهم ، لا تزيد عنه ولا تنقص ، بل هي مُعَدّة لذلك ، مقدرة بحسب ريّ صاحبها . هذا معنى قول ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبي صالح ، وقتادة ، وابن أبزى ، وعبد الله بن عُبَيد الله بن عمير ، وقتادة ، والشعبي ، وابن زيد . وقاله ابن جرير وغير واحد . وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة .

وقال العَوفي ، عن ابن عباس : { قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا } قدرت للكف . وهكذا قال الربيع بن أنس . وقال الضحاك : على قدر أكُفّ الخُدّام . وهذا لا ينافي القول الأول ، فإنها مقدرة في القَدْر والرّي .


[29605]:- (4) في م، أ: "وهذه".
[29606]:- (5) في أ: "على البداية".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٖ قَدَّرُوهَا تَقۡدِيرٗا} (16)

قوارير من فضة أي تكونت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها وبياض الفضة ولينها وقد نون قوارير من نون سلاسلا وابن كثير الأولى لأنها رأس الآية وقرئ قوارير من فضة على هي قوارير قدروها تقديرا أي قدروها في أنفسهم فجاءت مقاديرها وأشكالها كما تمنوه أو قدروها بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها أو قدر الطائفون بها المدلول عليهم بقوله يطاف شرابها على قدر اشتهائهم وقرئ قدروها أي جعلوا قادرين لها كما شاءوا من قدر منقولا من قدرت الشيء .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٖ قَدَّرُوهَا تَقۡدِيرٗا} (16)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني قُدِّرت الأكواب على الإناء، وقدر الإناء على كف الخادم وري القوم. فذلك قوله: {قدروها تقديرا}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قَوَارِيرَ في صفاء الصفاء من فضة الفضة من البياض،

"قَدّرُوها تَقْدِيرا" يقول: قدّروا تلك الآنية التي يُطاف عليهم بها تقديرا على قَدْر رِيّهم لا تزيد ولا تنقص عن ذلك، لا تتْرَع فتُهَراق، ولا ينقصون من مائها فتنقص فهي ملأى.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: قدّروها على قدر الكفّ.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ثم أخبر أن تلك الأكواب {قواريرا من فضة} قيل: هي من فضة، ولها صفاء القوارير، يرى ما فيها من الشراب من خارجها لصفائها.

ثم الآنية من الفضة في أعين أهلها أرفع وأشرف من الإناء المتخذ من التراب، فكذلك الصفاء الذي يكون بالفضة أبلغ وأرفع في أعين أهلها من الصفاء الذي يقع بالقوارير.

{قدروها تقديرا} قيل: يسقون على القدر الذي قدروه على أنفسهم، وحدثت به أنفسهم، فلا يقدرون في قلوبهم مقدارا إلا أتوا به على ذلك.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

منتهى مراد الرجل في الآنية التي يشرب منها الصفاء والنقاء والشكل. أما الصفاء فقد ذكره الله تعالى بقوله: {كانت قوارير}، وأما النقاء فقد ذكره بقوله: من فضة، وأما الشكل فقد ذكره بقوله: {قدروها تقديرا}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ولفظ {قواريرا} الثاني، يجوز أن يكون تأكيداً لفظياً لنظيره لزيادة تحقيق أن لها رقة الزجاج فيكون الوقف على {قواريرا} الأول.

ويجوز أن يكون تكريراً لإِفادة التصنيف فإن حسن التنسيق في آنية الشراب من مكملات رونق مجلسه، فيكون التكرير مثل ما في قوله تعالى: {والمَلكُ صَفّاً صفّاً} [الفجر: 22] وقول الناس: قرأت الكتاب باباً باباً فيكون الوقف على {قواريراً} الثاني.

وقوله: {قدّروها تقديراً} يجوز أن يكون ضمير الجمع عائداً إلى {الأبرار} [الإنسان: 5] أو {عباد الله} [الإنسان: 6] الذي عادت إليه الضمائر المتقدمة من قوله {يفجرونها} [الإنسان: 6] و {يوفون} [الإنسان: 7] إلى آخر الضمائر فيكون معنى التقدير رغبتَهم أن تجيء على وفق ما يشتهون.

ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى نائب الفاعل المحذوف المفهوم من بناء {يطاف} للنائب، أي الطائفون عليهم بها قدَّروا الآنية والأكوابَ، أي قدروا ما فيها من الشراب على حسب ما يطلبه كل شارب منهم ومآله إلى معنى الاحتمال الأول. وكان مما يعد في العادة من حِذق الساقي أن يعطِيَ كلَّ أحد من الشَّرْب ما يناسب رغبته