ثم بدأت السورة بعد أن انتهت من حديثها عن بنى إسرائيل وحتى نهايتها تحدثنا عن قضية التوحيد من زاوية جديدة عميقة ، زاوية الفطرة التي فطر الله عليها البشر ، ولنتصاحب سويا - أيها القارىء الكريم - متأملين فيما ساقته لنا السورة الكريمة في الربعين الأخيرين منها من آيات تزخر بالأدلة العقلية والمنطقية التي تثبت وحدانية الله وتبطل الشرك والشركاء ، مستعيننة في ذلك بما تهدى إليه الفطرة البشرية والطبيعة الإنسانية .
تدبر معى قوله - تعالى - : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ . . . } .
قال صاحب المنار ، هذه الآيات بدء سياق جديد في شئون البشر العامة المتعلقة بهداية الله لهم بما أودع في فطرتهم وركب في عقولهم من الاستعداد للايمان به وتمجيده وشكره ، في إثر بيان هدايته لهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب في قصة بنى إسرائيل . فالمناسبة بين هذا وما قبله ظاهرة ، ولذلك عطف عليه عطف جملة على جملة أو سياق على سياق .
قوله { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بني ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الظهور : جمع ظهر وهو العمود الفقرى لهيكل الإنسان الذي هو قوام بنيته .
والذرية : سلالة الإنسان من الذكور والإناث .
وقوله { مِن ظُهُورِهِمْ } بدل بعض من قوله { مِن بني ءَادَمَ } و { ذُرِّيَّتَهُمْ } مفعول أخذ .
والمعنى : واذكر أيها الرسول وذكر كل عاقل وقت أن استخرج الله - تعالى - من أصلاب بنى آدم ذريتهم ، وذلك الإخراج أنهم كانوا نطفة فاخرجها - سبحانه - في أرحام الأمهات ، وجعلها علقة ثم مضغة ، ثم جعلها بشراً سويا ، وخلقا كاملا مكلفاً .
قال الآلوسى : وإيثار الأخذ على الإخراج للإيذان بشأن المأخوذ إذ ذاك لما فيه من الإنباء عن الإجتباء والاصطفاء وهو السبب في إسناده إلى اسم الرب بطريق الالتفات مع ما فيه من التمهيد للاستفهام الآتى . وقيل إن إيثار الأخذ على الإخراج لمناسبة ما تضمنته الآية من الميثاق ، فإن الذي يناسبه هو الأخذ دون الإخراج .
والتعبير بالرب لما أن ذلك الأخذ باعتبار ما يتبعه من آثار الربوبية .
وقوله : { وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ } أى : أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته ، وعجائب خلقه ، وغرائب صنعته ، وبما أودع في قلوبهم من غريزة الإيمان ، وفى عقولهم من مدارك تهديهم إلى معرفة ربهم وخالقهم .
وقوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } مقول لقول محذوف : أى : قائلا لهم - بعد أن أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل الوحدانية - ألست بربكم ، ومالك أمركم ، ومربيكم على الإطلاق ، من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شئونكم { قَالُواْ بلى شَهِدْنَآ } أى : قالوا بلى شهدنا على أنفسنا عن عقيدة وإقناع بأنك أنت ربنا وخالقنا ولا رب لنا سواك ، فإن آثار رحمتك وعجائب خلقك ، ومظاهر قدرتك تجعلنا لا نتردد في هذه الشهادة .
و { بلى } حرف جواب ، وتختص بالنفى فلا تقع إلا جوابه فتفيد إبطاله سواء أكان مجردا أم مقرونا بالاستفهام ولذلك قال ابن عباس وغيره ، لو قالوا نعم لكفروا . لأن نعم حرف تصديق للمخبر بنفى أو إيجاب .
قال صاحب الكشاف : وقوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى } من باب التمثيل ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته ، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى ، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم : ألست بربكم ؟ وكأنهم قالوا : بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك ، وباب التمثيل واسع في كلام الله - تعالى - وفى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفى كلام العرب .
ونظيره قوله تعالى - { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } وقوله { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } ومعلوم أنه لا قول ثم وإنما تمثيل وتصوير للمعنى " .
والمقصود من الآية الكريمة الاحتجاج على المشركين بمعرفتهم ربوبيته - تعالى - معرفة فطرية لازمة لهم لزوم الاقرالر منهم والشهادة . قال - تعالى - : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله } والفطرة هى معرفة ربوبيته - سبحانه - :
وقد وردت أحاديث كثيرة تشهد بأن الناس قد فطرهم الله - تعالى - على معرفته ، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود إلا ويولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة جمعاء - أى سالمة الأذن - هل تحسون فيها من جدعاء - أى مقطوعة الأذن " .
وفى صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله - تعالى - إنى خلقت عبادى حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتالهم عن دينهم - أى صرفتهم عن دينهم - وحرمت عليهم ما أحللت لهم " .
وروى الطبرى عن الحسن الأسود بن سريع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها " ولذلك يتبين لنا أن المعنى الإجمالى للآية الكريمة أن الله - تعالى - نصب للناس في كل شىء من مخلوقاته - ومنها أنفسهم - دلائل توحيده وربوبيته ، وركز فيهم عقولا وبصائر يتمكنون بها تمكنا تاما من معرفته والاستجلال بها على التوحيد والربوبية حتى صاروا بمنزلة من إذا دعى إلى الإيمان بها سارع إليه بدون شك أو تردد .
فالكلام على سبيل المجاز التمثيلى لكون الناس قد فطرهم الله - تعالى - على معرفته والإيمان به ، وجعلهم مستعدين جميعا للنظر المؤدى إلى الاعتراف بوحدانيته ، ولا إخراج للذرية ولا قول ولا إشهاد بالفعل .
وعلى هذا الرأى سار المحققون من مفسرى السلف والخلف .
ويرى بعض المفسرين أن معنى الآية الكريمة : أن الله - تعالى - مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته كالذر ، وأحيانهم وجعل لهم العقل والنطق ، وألهمهم ذلك الاقرار ، ثم أعادهم إلى ظهر ابيهم آدم ، واستشهدوا لذلك بأحاديث وآثار ليست صحيحة الاسناد ، وما حسن إسناده منها فقد أوله العلماء بما يتفق مع منطوق الآية الكريمة .
وقد رد أصحاب الرأى الأول على هذا البعض بردود منها : أ ، الله - تعالى - قال : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بني ءَادَمَ } ولم يقل من آدم ، وقال { مِن ظُهُورِهِمْ } ولم يقل من ظهره ، وقال { ذُرِّيَّتَهُمْ } ولم ذريته . قال { أَوْ تقولوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا } ولم يكن لهم يومئذ أب مشرك ، لأن آدم حاشاه من الشرك بالله - تعالى :
قال الإمام ابن كثير بعد أن ساق عدداً كبيراً من الأحاديث في هذا المعنى : ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف : إن المراد بهذا الاشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد كما تقدم في حديث أبى هريرة وعياض والأسود بن سريع وقد فسر الحسن الاية بذلك " .
ثم بين - سبحانه - سبب الاشهاد وعلله فقال : { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ } أى : فعلنا ما فعلنا كراهة أن تقولوا ، أو منعا من أن تقولوا يوم القيامة معتذرين عن شرككم : إنا عن هذا الأمر وهو إفراد الله - تعالى - بالربوبية غافلين لم ننبه إليه ، لأنهم ما داموا قد خلقوا على الفطرة ، ونصب الله لهم في كل شىء من مخلوقاته ما يدل على وحدانيته ، وجاءتهم الرسل فبشرتهم وأنذرتهم ، فقد بطل عذرهم ، وسقطت حجتهم .
( وإذ أخذ ربك من بني آدم - من ظهورهم - ذريتهم ، وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى شهدنا ! أن تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين . أو تقولوا : إنما أشرك آباؤنا من قبل . وكنا ذرية من بعدهم . أفتهلكنا بما فعل المبطلون ؟ . . وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ) . .
إنها قضية الفطرة والعقيدة يعرضها السياق القرآني في صورة مشهد - على طريقة القرآن الغالبة - وإنه لمشهد فريد . . مشهد الذرية المكنونة في عالم الغيب السحيق ، المستكنة في ظهور بني آدم قبل أن تظهر إلى العالم المشهود ، تؤخذ في قبضة الخالق المربي ، فيسألها : ( ألست بربكم ؟ ) . . فتعترف له - سبحانه - بالربوبية ؛ وتقر له - سبحانه - بالعبودية ؛ وتشهد له - سبحانه - بالوحدانية ؛ وهي منثورة كالذر ؛ مجموعة في قبضة الخالق العظيم !
إنه مشهد كوني رائع باهر ، لا تعرف اللغة له نظيراً في تصوراتها المأثورة ! وإنه لمشهد عجيب فريد حين يتملاه الخيال البشري جهد طاقته ! وحينما يتصور تلك الخلايا التي لا تحصى ، وهي تجمع وتقبض . وهي تخاطب خطاب العقلاء - بما ركب فيها من الخصائص المستكنة التي أودعها إياها الخالق المبدع - وهي تستجيب استجابة العقلاء ، فتعترف وتقر وتشهد ؛ ويؤخذ عليها الميثاق في الأصلاب !
وإن الكيان البشري ليرتعش من أعماقه وهو يتملى هذا المشهد الرائع الباهر الفريد . وهو يتمثل الذر السابح . وفي كل خلية حياة . وفي كل خلية استعداد كامن . وفي كل خلية كائن إنساني مكتمل الصفات ينتظر الإذن له بالنماء والظهور في الصورة المكنونة له في ضمير الوجود المجهول ، ويقطع على نفسه العهد والميثاق ، قبل أن يبرز إلى حيز الوجود المعلوم !
لقد عرض القرآن الكريم هذا المشهد الرائع الباهر العجيب الفريد ، لتلك الحقيقة الهائلة العميقة المستكنة في أعماق الفطرة الإنسانية وفي أعماق الوجود . . عرض القرآن هذا المشهد قبل قرابة أربعة عشر قرناً من الزمان ، حيث لم يكن إنسان يعلم عن طبيعة النشأة الإنسانية وحقائقها إلا الأوهام ! ثم يهتدي البشر بعد هذه القرون إلى طرف من هذه الحقائق وتلك الطبيعة . فإذا " العلم " يقرر أن الناسلات ، وهي خلايا الوراثة التي تحفظ سجل " الإنسان " وتكمن فيها خصائص الأفراد وهم بعد خلايا في الأصلاب . . أن هذه الناسلات التي تحفظ سجل ثلاثة آلاف مليون من البشر ، وتكمن فيها خصائصهم كلها ، لا يزيد حجمها على سنتيمتر مكعب ، أو ما يساوي ملء قمع من أقماع الخياطة ! . . كلمة لو قيلت للناس يومذاك لاتهموا قائلها بالجنون والخبال ! وصدق الله العظيم : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) . .
أخرج ابن جرير وغيره - بإسناده - عن ابن عباس قال : " مسح ربك ظهر آدم ، فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة . . . فأخذ مواثيقهم ، وأشهدهم على أنفسهم : ( ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ) " . . وروي مرفوعاً وموقوفاً على ابن عباس . وقال ابن كثير : إن الموقوف أكثر وأثبت . .
فأما كيف كان هذا المشهد ؟ وكيف أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ؟ وكيف خاطبهم : ( ألست بربكم )وكيف أجابوا : ( بلى شهدنا )? . . فالجواب عليه : أن كيفيات فعل الله - سبحانه - غيب كذاته . ولا يملك الإدراك البشري أن يدرك كيفيات أفعال الله ما دام أنه لا يملك أن يدرك ذات الله . إذ أن تصور الكيفية فرع عن تصور الماهية . وكل فعل ينسب لله سبحانه مثل الذي يحكيه قوله هذا كقوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان . . . ) . . ( ثم استوى على العرش ) . . ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) . . ( والسماوات مطويات بيمينه ) . . ( وجاء ربك والملك صفاً صفاً ) . . ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) . . . إلى آخر ما تحكيه النصوص الصحيحة عن فعل الله سبحانه ، لا مناص من التسليم بوقوعه ، دون محاولة إدراك كيفيته . . إذ أن تصور الكيفية فرع عن تصور الماهية كما قلنا . . والله ليس كمثله شيء . فلا سبيل إلى إدراك ذاته ولا إلى إدراك كيفيات أفعاله . إذ أنه . لا سبيل إلى تشبيه فعله بفعل أي شيء ، ما دام أن ليس كمثله شيء . . وكل محاولة لتصور كيفيات أفعاله على مثال كيفيات أفعال خلقه ، هي محاولة مضللة ، لاختلاف ماهيته - سبحانه - عن ماهيات خلقه . وما يترتب على هذا من اختلاف كيفيات أفعاله عن كيفيات أفعال خلقه . . وكذلك جهل وضل كل من حاولوا - من الفلاسفة والمتكلمين - وصف كيفيات أفعال الله ، وخلطوا خلطاً شديداً !
على أن هناك تفسيرا لهذا النص بأن هذا العهد الذي أخذه الله على ذرية بني آدم هو عهد الفطرة . . فقد أنشأهم مفطورين على الاعتراف له بالربوبية وحده . أودع هذا فطرتهم فهي تنشأ عليه ، حتى تنحرف عنه بفعل فاعل يفسد سواءها ، ويميل بها عن فطرتها .
قال ابن كثير في التفسير : قال قائلون من السلف والخلف : إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد - كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي ومن رواية الحسن البصري عن الأسود ابن سريع - وقد فسر الحسن الآية بذلك . قالوا : ولهذا قال : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم )ولم يقل : من آدم . . ( من ظهورهم ) . . ولم يقل من ظهره . . ( ذرياتهم )أي جعل نسلهم جيلا بعد جيل ، وقرناً بعد قرن ، كقوله تعالى : وهو الذي جعلكم خلفاء الأرض . . وقال : ( ويجعلكم خلفاء الأرض ) . . وقال : ( كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ) . . ثم قال : ( وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ! ) أي أوجدهم شاهدين بذلك قائلين له . . حالاً . . وقالوا : والشهادة تارة تكون بالقول كقوله : ( قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ) . . وتارة تكون حالاً كقوله تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) . . أي حالهم شاهد عليهم بذلك ، لا أنهم قائلون ذلك . . وكذلك قوله تعالى : ( وإنه على ذلك لشهيد ) . . كما أن السؤال تارة يكون بالمقالوتارة يكون بالحال . كقوله : ( وآتاكم من كل ما سألتموه ) . . قالوا : ومما يدل على أن المراد بهذا هذا أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك . فلو كان قد وقع هذا ، كما قال من قال ، لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه . فإن قيل : إخبار الرسول [ ص ] به كاف في وجوده ، فالجواب : أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره . وهذا جعل حجة عليهم ، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد . ولهذا قال : ( أن تقولوا ) . . أي لئلا تقولوا ( يوم القيامة إنا كنا عن هذا ) . أي التوحيد . . ( غافلين ) ،
يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم ، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم ، وأنه لا إله إلا هو . كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه ، قال تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } [ الروم : 30 ] وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة - وفي رواية : على هذه الملة - فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء " وفي صحيح مسلم ، عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله [ تعالى ]{[12297]} إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم{[12298]} الشياطين فاجتالتهم ، عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم " {[12299]}
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني السري بن يحيى : أن الحسن بن أبي الحسن حدثهم ، عن الأسود بن سريع من بني سعد ، قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات ، قال : فتناول القوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتد عليه ، ثم قال : " ما بال أقوام يتناولون الذرية ؟ " قال رجل : يا رسول الله ، أليسوا أبناء المشركين ؟ فقال : " إن خياركم أبناء المشركين ! ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ، فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو{[12300]} ينصرانها " . قال الحسن : والله لقد قال الله في كتابه : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ] }{[12301]} الآية{[12302]}
وقد رواه الإمام أحمد ، عن إسماعيل بن علية ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن البصري{[12303]} به . وأخرجه النسائي في سننه من حديث هُشَيْم ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : حدثنا الأسود ابن سَرِيع ، فذكره ، ولم يذكر قول الحسن البصري واستحضاره الآية عند ذلك{[12304]}
وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلْب آدم ، عليه السلام ، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين و[ إلى ]{[12305]} أصحاب الشمال ، وفي بعضها{[12306]} الاستشهاد عليهم بأن الله ربهم .
قال الإمام أحمد : حدثنا حَجَّاج ، حدثنا شُعْبة ، عن أبي عمران الجَوْني ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به ؟ " قال : " فيقول : نعم . فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم{[12307]} ألا تشرك بي شيئًا ، فأبيت إلا أن تشرك بي " .
أخرجاه في الصحيحين ، من حديث شعبة ، به{[12308]}
حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا جرير - يعني ابن حازم - عن كلثوم بن جابر{[12309]} عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ]{[12310]} عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم ، عليه السلام ، بنعمان . يعني{[12311]} عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ، ثم كلمهم قبلا قال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } إلى قوله : { الْمُبْطِلُونَ }
وقد روى هذا الحديث النسائي في كتاب التفسير من سننه ، عن محمد بن عبد الرحيم - صاعقة - عن حسين بن محمد المروزي ، به . ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حسين بن محمد{[12312]} به . إلا أن ابن أبي حاتم جعله موقوفا . وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمد وغيره ، عن جرير بن حازم ، عن كلثوم بن جَبْر ، به . وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبير{[12313]} {[12314]} هكذا قال ، وقد رواه عبد الوارث ، عن كلثوم بن جبر{[12315]} عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، فوقفه{[12316]} وكذا رواه إسماعيل بن علية ووَكِيع ، عن ربيعة بن كلثوم ، عن جبير ، عن أبيه ، به . {[12317]} وكذا رواه عطاء بن السائب ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعلي بن بَذِيمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس{[12318]} قوله ، وكذا رواه العَوْفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن
عباس{[12319]} فهذا أكثر وأثبت ، والله أعلم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا أبي ، عن أبي هلال ، عن أبي جَمْرَة الضبعي ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ]{[12320]} قال : أخرج الله ذرية آدم [ عليه السلام ]{[12321]} من ظهره كهيئة الذر ، وهو في آذى من الماء .
وقال أيضا : حدثنا علي بن سهل ، حدثنا ضَمْرَة بن ربيعة ، حدثنا أبو مسعود عن جُوبير قال : مات ابن للضحاك بن مُزَاحِم ، [ وهو ]{[12322]} ابن ستة أيام . قال : فقال : يا جابر ، إذا أنت وضعت ابني في لحده ، فأبرز وجهه ، وحُلّ عنه عقده ، فإن ابني مُجْلَس ، ومسئول . ففعلت به الذي أمر ، فلما فرغت قلت : يرحمك الله ، عمّ يُسأل ابنك ؟ من يسأله إياه ؟ قال : يُسْأل عن الميثاق الذي أقر به في{[12323]} صلب آدم . قلت : يا أبا القاسم ، وما هذا الميثاق الذي أقر به في{[12324]} صلب آدم ؟ قال : حدثني ابن عباس [ رضي الله عنه ]{[12325]} ؛ أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خلقها{[12326]} إلى يوم القيامة ، فأخذ منهم الميثاق : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا ، وتكفل لهم بالأرزاق ، ثم أعادهم في صلبه . فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطي الميثاق يومئذ ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به ، نفعه الميثاق الأول . ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يف{[12327]} به ، لم ينفعه الميثاق الأول . ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر ، مات على الميثاق الأول على الفطرة{[12328]}
فهذه الطرق كلها مما تقوِّي وَقْف هذا على ابن عباس ، والله أعلم .
حديث آخر : وقال ابن جرير : حدثنا عبد الرحمن بن الوليد ، حدثنا أحمد بن أبي طيبة ، عن سفيان بن سعيد ، عن الأجلح ، عن الضحاك وعن{[12329]} - منصور ، عن مجاهد - عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } قال : " أخذ من ظهره ، كما يؤخذ بالمشط من الرأس ، فقال لهم : { ألست بربكم قالوا بلى } قَالَتِ الْمَلائِكَةُ { شهدنا أن يقولوا }{[12330]} يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين{[12331]}
أحمد بن أبي طيبة هذا هو : أبو محمد الجرجاني قاضي قومس ، كان أحد الزهاد ، أخرج له النسائي في سننه ، وقال أبو حاتم الرازي : يكتب حديثه . وقال ابن عَدِيّ : حدث بأحاديث أكثرها{[12332]} غرائب .
وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مَهْدِيّ ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، قوله ، وكذا رواه جرير ، عن منصور ، به . وهذا أصح{[12333]} والله أعلم .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا روح - هو ابن عبادة - حدثنا مالك ، وحدثنا إسحاق ، أخبرنا مالك ، عن زيد بن أبي أُنَيْسةَ : أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، أخبره ، عن مسلم بن يَسار الجُهَني : أن عمر بن الخطاب سُئِل عن هذه الآية : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } الآية ، فقال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سُئل عنها ، فقال : " إن الله خلق آدم ، عليه السلام ، ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، قال : خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، قال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون " . فقال رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلق الله العبد للجنة ، استعمله بأعمال{[12334]} أهل الجنة ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة ، فيدخله{[12335]} به الجنة . وإذا خلق العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار ، فيدخله{[12336]} به النار " .
وهكذا رواه أبو داود عن القَعْنَبي - والنسائي عن قتيبة - والترمذي{[12337]} عن إسحاق بن موسى ، عن مَعْن . وابن أبي حاتم ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب . وابن جرير من حديث روح ابن عبادة وسعيد بن عبد الحميد بن جعفر . وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، من رواية أبي مصعب الزبيري ، كلهم عن الإمام مالك بن أنس ، به{[12338]}
قال الترمذي : وهذا حديث حسن ، ومسلم بن يَسَار لم يسمع{[12339]} عُمَر . وكذا قاله أبو حاتم وأبو زُرْعَة . زاد أبو حاتم : وبينهما نُعَيْم بن ربيعة .
وهذا الذي قاله أبو حاتم ، رواه أبو داود في سننه ، عن محمد بن مصفى ، عن بَقِيَّةَ ، عن عمر ابن جُعْثُم{[12340]} القرشي ، عن زيد بن أبي أُنَيْسَة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن مسلم بن يَسَار الجهني ، عن نعيم بن ربيعة قال : كنت عند عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ]{[12341]} وقد سئل عن هذه الآية : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } فذكره{[12342]}
وقال الحافظ الدارقطني : وقد تابع عمر بن جُعْثُم بن زيد بن سِنان أبو فَرْوَة الرَّهَاوي ، وقولهما أولى بالصواب من قول مالك ، والله أعلم{[12343]}
قلت : الظاهر أن الإمام مالكا إنما أسقط ذكر " نعيم بن ربيعة " عمدًا ؛ لما جهل حاله ولم يعرفه ، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث ، وكذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم ؛ ولهذا يرسل كثيرًا من المرفوعات ، ويقطع كثيرًا من الموصولات ، والله أعلم .
حديث آخر : قال الترمذي عند تفسيره هذه الآية : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا أبو نُعَيْم ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ]{[12344]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله [ عز وجل ]{[12345]} آدم مسح ظهره ، فسقط من ظهره كل نَسَمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وَبيصًا من نور ، ثم عرضهم على آدم ، فقال : أي رب ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذرّيتك . فرأى رجلا منهم فأعجبه وَبِيص ما بين عينيه ، فقال : أي رب ، من هذا ؟ قال : هذا رجل من آخر الأمم من ذُرّيتك ، يقال له : داود . قال : رب ، وكم جعلت عمره ؟ قال : ستين سنة . قال : أي رب ، زده من عمري أربعين سنة . فلما انقضى عمر آدم ، جاءه ملك الموت قال : أو لم يبق من عمري أربعون{[12346]} سنة ؟ قال : أوَ لم تعطها ابنك داود ؟ قال : فجحد آدم فجحدت ذريته ، ونسي آدم فنسيت ذريته ، وخطئ آدم فخطئت ذريته " .
ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقد رُوي من غير وجه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ورواه الحاكم في مستدركه ، من حديث أبي نُعَيْم الفضل بن دُكَيْن ، به . وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه{[12347]}
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره ، من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أنه حدثه عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحو ما تقدم ، إلى أن قال : " ثم عرضهم على آدم فقال : يا آدم ، هؤلاء ذريتك . وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى ، وأنواع الأسقام ، فقال آدم : يا رب ، لم فعلت هذا بذريتي ؟ قال : كي تشكر نعمتي . وقال آدم : يا رب ، من هؤلاء الذين أراهم أظْهَرَ الناس نورا ؟ قال : هؤلاء الأنبياء يا آدم من ذريتك " . ثم ذكر قصة داود ، كنحو ما تقدم{[12348]}
حديث آخر : قال عبد الرحمن بن قتادة النَّصْري{[12349]} عن أبيه ، عن هشام بن حكيم ، رضي الله عنه ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أتبدأ الأعمال ، أم قد قُضِي القضاء ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم ، ثم أشهدهم على أنفسهم ، ثم أفاض بهم في كفيه " ثم قال : " هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ، فأهل الجنة مُيَسَّرون لعمل أهل الجنة ، وأهل النار مُيَسَّرون لعمل أهل النار " .
رواه ابن جرير ، وابن مردويه من طرق عنه{[12350]}
حديث آخر : روى جعفر بن الزبير - وهو ضعيف - عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله الخلق ، وقضى القضية ، أخذ أهل اليمين بيمينه وأهل الشمال بشماله ، فقال : يا أصحاب اليمين . فقالوا : لبيك وسعديك . قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى . قال : يا أصحاب الشمال . قالوا : لبيك وسعديك . قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ثم خلط بينهم ، فقال قائل : يا رب ، لم خلطت بينهم ؟ قال : لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ، أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، ثم ردهم في صلب آدم [ عليه السلام ]{[12351]} . رواه ابن مردويه{[12352]}
أثر آخر : قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أُبي بن كعب [ رضي الله عنه ]{[12353]} في قول الله تعالى{[12354]} { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الآية والتي بعدها ، قال : فجمعهم له يومئذ جميعا ، ما هو كائن منه إلى يوم القيامة ، فجعلهم أرواحًا ثم صورهم ثم استنطقهم فتكلموا ، وأخذ عليهم العهد والميثاق ، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، الآية . قال : فإني أشهد عليكم السماوات السبع ، والأرَضِين السبع ، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة : لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري ، ولا رب غيري ، فلا تشركوا بي شيئًا ، وإني سأرسل إليكم رسلا يذكرونكم{[12355]} عهدي وميثاقي ، وأنزل عليكم كتبي . قالوا : نشهد أنك ربنا وإلهنا ، لا رب لنا غيرك ، ولا إله لنا غيرك . فأقروا له يومئذ بالطاعة ، ورفع أباهم آدم فنظر إليهم ، فرأى فيهم الغني والفقير ، وحسن الصورة ودون ذلك . فقال : يا رب ، لو سَويت بين عبادك ؟ قال : إني أحببت أن أشكر . ورأى فيهم الأنبياء مثل السرُج عليهم النور ، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة ، فهو الذي يقول تعالى{[12356]} { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ [ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ]{[12357]} } [ الأحزاب : 7 ] وهو الذي يقول : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ [ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ] }{[12358]} الآية [ الروم : 30 ] ، ومن ذلك قال : { هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأولَى } [ النجم : 56 ] ومن ذلك قال : { وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ [ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ]{[12359]} } [ الأعراف : 102 ] .
رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه ، ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مَرْدُويه في تفاسيرهم ، من رواية ابن جعفر الرازي ، به . وروي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، وغير واحد من علماء السلف ، سياقات توافق هذه الأحاديث ، اكتفينا بإيرادها عن التطويل في تلك الآثار كلها ، وبالله المستعان .
فهذه الأحاديث دالة على أن الله ، عز وجل ، استخرج ذرية آدم من صلبه ، وميز بين أهل الجنة وأهل النار ، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم ، فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر{[12360]} عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ]{[12361]} وفي حديث عبد الله بن عمرو [ رضي الله عنهما ]{[12362]} وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان ، كما تقدم . ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف : إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فَطْرهم على التوحيد ، كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمَار المُجَاشعي ، ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سَرِيع . وقد فسر الحسن البصري الآية بذلك ، قالوا : ولهذا قال : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ } ولم يقل : " من آدم " ، { مِنْ ظُهُورِهِمْ } ولم يقل : " من ظهره " { ذُرِّيَّاتِهِمْ } أي : جعل نسلهم جيلا بعد جيل ، وقرنًا بعد قرن ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ } [ الأنعام : 165 ] وقال : { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ } [ النمل : 62 ] وقال : { كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } [ الأنعام : 133 ]
ثم قال : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } أي : أوجدهم شاهدين بذلك ، قائلين له حالا وقالا . والشهادة تارة تكون بالقول ، كما قال [ تعالى ]{[12363]} { قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } [ الأنعام : 130 ] الآية ، وتارة تكون حالا كما قال تعالى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } [ التوبة : 17 ] أي : حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك ، وكذلك{[12364]} قوله تعالى : { وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } [ العاديات : 7 ] كما أن السؤال تارة يكون بالقال ، وتارة يكون بالحال ، كما في قوله : { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [ إبراهيم : 34 ] قالوا : ومما يدل على أن المراد بهذا هذا ، أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك ، فلو كان قد وقع هذا كما قاله من قال{[12365]} لكان كل أحد يذكره ، ليكون حجة عليه . فإن قيل : إخبار الرسول به كاف في وجوده ، فالجواب : أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره . وهذا جعل حجة مستقلة عليهم ، فدل على أنه الفطرة التي فُطِروا عليها من الإقرار بالتوحيد ؛ ولهذا قال : { أَنْ يَقُولُوا }{[12366]} أي : لئلا يقولوا يوم القيامة : { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا } أي : [ عن ]{[12367]} التوحيد { غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا }{[12368]} الآية .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هََذَا غَافِلِينَ } . .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد ربك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم ، فقرّرهم بتوحيده ، وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك ، وإقرارهم به . كما :
حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، قال : حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن كلثوم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «أخَذَ اللّهُ المِيثاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمانَ » يعني عرفة «فَأخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلّ ذُرّيّةٍ ذَرأها ، فَنَثرَهُمْ بَينَ يَدَيْهِ كالذّرّ ، ثُمّ كَلّمَهُمْ فَتَلا فَقالَ : ألَسْتُ بِرَبّكُمْ ؟ قالُوا بَلى شَهِدْنا أنْ تَقُولُوا . . . الاَية إلى ما فَعَلَ المبْطِلونَ » .
حدثنا عمران بن موسى ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا كلثوم بن جبر ، قال : سألت سعيد بن جبير عن قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : سألت عنها ابن عباس ، فقال : مسح ربك ظهر آدم ، فخرجت كلّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا ، وأشار بيده ، فأخذ مواثيقهم ، وأشهدهم على أنفسهم ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى .
حدثنا ابن وكيع ويعقوب قالا : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ وأشْهَدَهُمْ على أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا قال : مسح ربك ظهر آدم ، فخرجت كلّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا الذي وراء عرفة ، وأخذ ميثاقهم ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا اللفظ لحديث يعقوب .
وحدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، قال ربيعة بن كلثوم ، عن أبيه في هذا الحديث : قالُوا بَلى شَهِدْنا أنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيامَةِ إنّا كُنّا عَنْ هَذَا غافِلِينَ .
حدثنا عمرو ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : أوّل ما أهبط الله آدم ، أهبطه بدجني ، أرض بالهند ، فمسح الله ظهره ، فأخرج منه كلّ نسمة هو بارئها إلى أن تقوم الساعة ، ثم أخذ عليهم الميثاق : وأشْهَدَهُمْ على أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيامَةِ إنّا كُنّا عَنْ هَذَا غافِلِينَ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : أُهبِط آدم حين أهبط ، فمسح الله ظهره ، فأخرج منه كلّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، ثم قال ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى ، ثم تلا : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ فجفّ القلم من يومئذ بما هو كائن إلى يوم القيامة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : لما خلق الله آدم ، أخذ ذرّيته من ظهره مثل الذرّ ، فقبض قبضتين ، فقال لأصحاب اليمين ادخلوا الجنة بسلام ، وقال للاَخرين : ادخلوا النار ولا أبالي .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن حبيب ، عن ابن عباس ، قال : مسح الله ظهر آدم ، فأخرج كلّ طيب في يمينه ، وأخرج كلّ خبيث في الأخرى .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : مسح الله ظهر آدم ، فاستخرج منه كلّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء ، عن سعيد ، عن ابن عباس : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : لما خلق الله آدم مسح ظهره بدجني ، وأخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، فقال : ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى قال : فيرون يومئذ جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن عليّ بن بذيمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما خلق الله آدم عليه السلام أخذ ميثاقه ، فمسح ظهره ، فأخذ ذرّيته كهيئة الذرّ ، فكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم ، وأشهدهم على أنفسهم ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى .
قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن المسعودي ، عن عليّ بن بذيمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : لما خلق الله آدم ، أخذ ميثاقه أنه ربه ، وكتب أجله ومصائبه ، واستخرج ذرّيته كالذرّ ، وأخذ ميثاقهم ، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن ربيعة بن كلثوم بن جبر ، عن أبيه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ وأشْهَدَهُمْ عَلى أنْفُسهِمْ قال : مسح الله ظهر آدم عليه السلام وهو ببطن نعمان ، واد إلى جنب عرفة ، وأخرج ذرّيته من ظهره كهيئة الذرّ ، ثم أشهدهم على أنفسهم ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا .
قال : حدثنا أبي ، عن أبي هلال ، عن أبي حمزة الضّبَعي ، عن ابن عباس ، قال : أخرج الله ذرّية آدم عليه السلام من ظهره كهيئة الذرّ ، وهو في آذيّ من الماء .
حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، قال : حدثنا أبو مسعود ، عن جويبر ، قال : مات ابن للضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام ، قال : فقال : يا جابر إذا أنت وضعت ابني في لحده ، فأبرز وجهه ، وحلّ عنه عقْده ، فإن ابني مُجْلَس ومسؤول ففعلت به الذي أمرني ، فلما فرغت ، قلت : يرحمك الله ، عمّ يُسئل ابنك ؟ قال : يُسأل عن الميثاق الذي أقرّ به في صلب آدم عليه السلام . قلت : يا أبا القاسم ، وما هذا الميثاق الذي أقرّ به في صلب آدم ؟ قال : ثني ابن عباس أن الله مسح صلب آدم ، فاستخرج منه كلّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، وأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا ، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطَى الميثاق يومئذ ، فمن أدرك منهم الميثاق الاَخر فوفى به نفعه الميثاق الأوّل ، ومن أدرك الميثاق الاَخر فلم يف به لم ينفعه الميثاق الأوّل ، ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الاَخر مات على الميثاق الأوّل على الفطرة .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني السريّ بن يحيى ، أن الحسن بن أبي الحسن ، حدثهم عن الأسود بن سريع من بني سعد ، قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات ، قال : فتناول القوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتدّ عليه ، ثم قال : «ما بالُ أقْوَامٍ يَتَناوَلُونَ الذّرّيّة ؟ » فقال رجل : يا رسول الله ، أليسوا أبناء المشركين ؟ فقال : «إنّ خِيارَكُمْ أوْلادُ المُشْركِينَ ، ألاّ إنّها لَيْسَتْ نَسَمَةٌ تُولَدُ إلاّ وُلِدَتْ على الفِطْرَة ، فَمَا تَزَالُ عَلَيْها حتى يَبِينَ عَنْها لِسانُها ، فأبَوَاها يُهَوّدَانِها أوْ يُنَصّرَانِها » . قال الحسن : والله لقد قال الله ذلك في كتابه ، قال : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ .
حدثنا عبد الرحمن بن الوليد ، قال : حدثنا أحمد بن أبي طيبة ، عن سفيان ، عن سعيد ، عن الأجلح ، عن الضحاك ، وعن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : «أخِذُوا مِنْ ظَهْره كمَا يُؤْخَذُ بالمِشْطِ مِنَ الرأس ، فَقالَ لَهُمْ ألَسْتُ بِرَبّكُمْ ؟ قالُوا بَلى ، قالَتِ المَلائِكَةُ : شَهِدْنا أنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيامَةِ إنّا كُنّا عَنْ هَذَا غافِلِينَ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، في قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس .
حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : أخذهم كما يأخذ المشط عن الرأس . قال ابن حميد : كما يؤخذ بالمشط .
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، وسعد بن عبد الحميد بن جعفر بن مالك بن أنس ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن مسلم بن يسار الجهني : أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الاَية : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ فقال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنّ اللّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمينِهِ فاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرّيّةً ، فَقالَ : خَلَقْتُ هَؤُلاءِ للْجَنّة ، وَبِعَمَل أهْل الجَنّةِ يَعْمَلُونَ . ثُمّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرّيّةً ، فَقالَ : خَلَقْتُ هَؤُلاءِ للنّارِ ، وَبِعَمَلِ أهْلِ النّارِ يَعْمَلُونَ » . فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل ؟ قال : «إنّ اللّهَ إذَا خَلَقَ العَبْدَ للْجَنّةَ اسْتَعْمَلَهُ بَعَملِ أهْلِ الجَنّةِ حتى يَمُوتَ على عَمَلٍ مِنْ عَمَلِ أهْلِ الجَنّة فَيُدْخِلَهُ الجَنّةَ وإذَا خَلَقَ العَبْدَ للنّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أهْلِ النّارِ حتى يَمُوتَ على عَمَلٍ مِنْ عَمَلِ أهْلِ النّارِ فَيُدْخِلَهُ النّار » .
حدثنا إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن المصفي ، عن بقية عن عمرو بن جعثم القرشي ، قال : ثني زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن مسلم بن يسار ، عن نعيم بن ربيعة ، عن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن عمارة ، عن أبي محمد رجل من المدينة ، قال : سألت عمر بن الخطاب عن قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عنه كما سألتني ، فقال : «خَلَقَ اللّهُ آدَمَ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ، ثُمّ أجْلَسَهُ فَمَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ اليُمْنَى ، فَأخْرَجَ ذَرْأً ، فقال : ذَرْءٌ ذَرأْتُهُمْ للْجَنّةِ ، ثُمّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ الأُخْرَى ، وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ ، فَقالَ : ذَرْءٌ ذَرَأتُهُمْ للنّارِ ، يَعْمَلُونَ فِيما شِئْتَ مِنْ عَمَلٍ ، ثُمّ أخْتِمُ لَهُمْ بِأسْوإ أعْمالِهِمْ فَأُدْخِلُهُمْ النّارِ » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : إن الله خلق آدم ، ثم أخرج ذرّيته من صلبه مثل الذرّ ، فقال لهم : من ربكم ؟ قالوا : الله ربنا ، ثم أعادهم في صلبه ، حتى يولد كلّ من أخذ ميثاقه لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ . . . إلى قوله : قالُوا بَلى شَهِدْنا قال ابن عباس : إن الله لمّا خلق آدم مسح ظهره ، وأخرج ذرّيته كلهم كهيئة الذرّ ، فأنطقهم فتكلموا ، وأشهدهم على أنفسهم ، وجعل مع بعضهم النور ، وإنه قال لاَدم : هؤلاء ذرّيتك آخذ عليهم الميثاق ، أنا ربهم ، لئلا يشركوا بي شيئا ، وعليّ رزقهم . قال آدم : فمن هذا الذي معه النور ؟ قال : هو داود . قال : يا ربّ كم كتبت له من الأجل ؟ قال : ستين سنة . قال : كم كتبت لي ؟ قال : ألف سنة ، وقد كتبت لكلّ إنسان منهم كم يعمّر وكم يلبث . قال : يا ربّ زده قال : هذا الكتاب موضوع فأعطه إن شئت من عمرك . قال : نعم . وقد جفّ القلم عن أجل سائر بني آدم ، فكتب له من أجَل آدم أربعين سنة ، فصار أجله مائة سنة . فلما عمر تسع مئة سنة وستين جاءه ملك الموت فلما رآه آدم ، قال : ما لك ؟ قال له : قد استوفيت أجلك . قال له آدم : إنما عمرت تسع مائة وستين سنة ، وبقي أربعون سنة . قال : فلما قال ذلك للمَلك ، قال الملك : قد أخبرني بها ربي . قال : فارجع إلى ربك فاسأله فرجع الملك إلى ربه ، فقال : ما لك ؟ قال : يا ربّ رجعت إليك لما كنت أعلم من تكرمتك إياه . قال الله : ارجع فأخبره أنه قد أعطى ابنه داود أربعين سنة
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن الزبير بن موسى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إن الله تبارك وتعالى ضرب منكبه الأيمن ، فخرجت كلّ نفس مخلوقة للجنة بيضاء نقية ، فقال : هؤلاء أهل الجنة . ثم ضرب منكبه الأيسر ، فخرجت كلّ نفس مخلوقة للنار سوداء ، فقال : هؤلاء أهل النار . ثم أخذ عهودهم على الإيمان والمعرفة له ولأمره ، والتصديق به وبأمره بني آدم كلهم ، فأشهدهم على أنفسهم ، فآمنوا وصدّقوا وعرفوا وأقرّوا . وبلغني أنه أخرجهم على كفه أمثال الخردل . قال ابن جريج عن مجاهد ، قال : إن الله لما أخرجهم قال : يا عباد الله أجيبوا الله والإجابة : الطاعة فقالوا : أطعنا ، اللهمّ أطعنا ، اللهمّ أطعنا ، اللهمّ لبيك قال : فأعطاها إبراهيم عليه السلام في المناسك : لبيك اللهمّ لبيك . قال : ضرب متن آدم حين خلقه . قال : وقال ابن عباس : خلق آدم ، ثم أخرج ذرّيته من ظهره مثل الذرّ ، فكلمهم ، ثم أعادهم في صلبه ، فليس أحد إلا وقد تكلم فقال : ربي الله . فقال : وكلّ خلق خلق فهو كائن إلى يوم القيامة وهي الفطرة التي فطر الناس عليها . قال ابن جريج ، قال سعيد بن جبير : أخذ الميثاق عليهم بنعَمان ونَعمان من وراء عرفة أن يقولوا يوم القيامة إنّا كُنّا عَنْ هَذَا غافِلِينَ عن الميثاق الذي أخذ عليهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبيّ بن كعب ، قال : جمعهم يومئذ جميعا ما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم استنطقهم ، وأخذ عليهم الميثاق وأشْهَدَهُمْ على أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيامَةِ إنّا كُنّا عَنْ هَذَا غافِلِينَ أوْ تَقُولُوا إنّمَا أشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وكُنّا ذُرّيّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أفَتُهْلِكُنا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ ؟ قال : فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع ، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا ، اعلموا أنه لا إله غيري ، ولا ربّ غيري ، ولا تشركوا بي شيئا ، وسأرسل إليكم رسلاً يذكرونكم عهدي وميثاقي ، وسأنزل عليكم كتبي قالوا : شهدنا أنك ربنا وإلهنا ، لا ربّ لنا غيرك ، ولا إله لنا غيرك . فأقرّوا له يومئذ بالطاعة ، ورفع عليهم أباهم آدم ، فنظر إليهم ، فرأى منهم الغنيّ والفقير ، وحسن الصورة ، ودون ذلك ، فقال : ربّ لولا ساويت بينهم قال : فإني أحبّ أن أشكر . قال : وفيهم الأنبياء عليهم السلام يومئذ مثل السرج . وخصّ الأنبياء بميثاق آخر ، قال الله : وَإذْ أخَذْنا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وأخَذْنا مِنْهُمْ ميثاقا غَليظا وهو الذي يقول تعالى ذكره : فأقِمْ وَجْهَكَ للدّينِ حَنِيفا فطْرَةَ اللّهِ التي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ وفي ذلك قال : هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الأولىَ يقول : أخذنا ميثاقه مع النذر الأولى ، ومن ذلك قوله : وَما وَجَدْنا لأَكْثَرهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإنْ وَجَدْنا أكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ . ثُمّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجاءُوهُمْ بالبَيّنات فَمَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا بمَا كَذّبُوا مِنْ قَبْلُ قال : كان في علمه يوم أقرّوا به من يصدّق ومن يكذّب .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الاَية : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ وأشْهَدَهُمْ على أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قال : أخرجهم من ظهر آدم ، وجعل لاَدم عمرَ ألف سنة ، قال : فعُرِضوا على آدم ، فرأى رجلاً من ذرّيته له نور فأعجبه ، فسأل عنه ، فقال : هو داود ، قد جعل عمره ستين سنة ، فجعل له من عمره أربعين سنة فلما احتضر آدم ، جعل يخاصمهم في الأربعين سنة ، فقيل له : إنك أعطيتها داود ، قال : فجعل يخاصمهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : أخرج ذرّيته من ظهره كهيئة الذرّ ، فعرضهم على آدم بأسمائهم وأسماء آبائهم وآجالهم ، قال : فعرض عليه روح داود في نور ساطع ، فقال : من هذا ؟ قال : هذا من ذرّيتك نبيّ خليفة ، قال : كم عمره ؟ قال : ستون سنة ، قال : زيدوه من عمري أربعين سنة قال : والأقلام رطبة تجري . فأثبت لداود الأربعون ، وكان عمر آدم عليه السلام ألف سنة فلما استكملها إلا الأربعين سنة ، بعث إليه ملك الموت ، فقال : يا آدم أمرت أن أقبضك ، قال : ألم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال : فرجع ملك الموت إلى ربه ، فقال : إن آدم يدّعي من عمره أربعين سنة ، قال : أخبر آدم أنه جعلها لابنه داود والأقلام رطبة فأثبتت لداود .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو داود ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بنحوه .
قال : حدثنا ابن فضيل وابن نمير ، عن عبد الملك ، عن عطاء : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : أخرجهم من ظهر آدم حتى أخذ عليهم الميثاق ، ثم ردّهم في صلبه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن نضر بن عربي : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : أخرجهم من ظهر آدم حتى أخذ عليهم الميثاق ، ثم ردّهم في صلبه .
قال : حدثنا محمد بن عبيد ، عن أبي بسطام ، عن الضحاك ، قال : حيث ذرأ الله خلقه لاَدم ، قال : خلقهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : قال ابن عباس : خلق الله آدم ، ثم أخرج ذرّيته من ظهره ، فكلمهم الله وأنطقهم ، فقال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، ثم أعادهم في صلبه ، فليس أحد من الخلق إلا قد تكلم فقال ربي الله ، وإن القيامة لن تقوم حتى يولد من كان يومئذ أشهد على نفسه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمر بن طلحة ، عن أسباط ، عن السديّ : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ وأشْهَدَهُمْ على أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى وذلك حين يقول تعالى ذكره : وَلَهُ أسْلَمَ مَنْ فِي السّمَوَات والأرْض طَوْعا وَكَرْها وذلك حين يقول : فللّهِ الحُجّةُ البالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَدَاكُمْ أجمَعِينَ يعني : يوم أخذ منهم الميثاق ، ثم عرضهم على آدم عليه السلام .
قال : حدثنا عمر ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : أخرج الله آدم من الجنة ، ولم يهبط من السماء ، ثم مسح صفحة ظهره اليمنى ، فأخرج منه ذرّية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذرّ ، فقال لهم : ادخلوا الجنة برحمتي ومسح صفحة ظهره اليسرى ، فأخرج منه ذرّية سوداء كهيئة الذرّ ، فقال : ادخلوا النار ولا أبالي فذلك حين يقول : «وأصْحابُ اليَمِين وأصْحابُ الشّمال » ثم أخذ منهم الميثاق ، فقال : ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى ، فأطاعه طائفة طائعين ، وطائفة كارهين على وجه التقيّة .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرُ ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ بنحوه ، وزاد فيه بعد قوله : وطائفة على وجه التقية ، فقال هو والملائكة : شهدْنَا أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرّية من بعدهم . فلذلك ليس في الأرض أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن ربه الله ، ولا مشرك إلا وهو يقول لابنه : إنّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمّةٍ والأمّة : الدين وإنّا على آثارهِمْ مُقْتَدُونَ ، وذلك حين يقول الله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ وأشْهَدَهُمْ على أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى وذلك حين يقول : وَلَهُ أسْلَمَ مَنْ فِي السّمَوَات والأرْض طَوْعا وكَرْها وذلك حين يقول : فللّه الحُجّةُ البالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَدَاكُمْ أجمَعِينَ يعني يوم أخذ منهم الميثاق .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الكلبي : مِنْ ظُهُورهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : مسح الله على صلب آدم ، فأخرج من صلبه من ذرّيته ما يكون إلى يوم القيامة ، وأخذ ميثاقهم أنه ربهم ، فأعطوه ذلك ، ولا يُسأل أحد كافر ولا غيره : من ربك ؟ إلا قال : الله . وقال الحسن مثل ذلك أيضا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ بن حسين أنه كان يعزل ، ويتأوّل هذه الاَية : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ قال : أقرّت الأرواح قبل أن تخلق أجسادها .
حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، قال : ثني الزبيدي ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الرحمن بن قتادة النضري ، عن أبيه ، عن هشام بن حكيم : أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أتُبدأ الأعمال أم قد قضي القضاء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ أخَذَ ذُرّيّةَ آدَمَ مِنْ ظُهُورهِمْ ، ثُمّ أشْهَدَهُمْ على أنْفُسهِمْ ، ثُمّ أفاضَ بهِمْ فِي كَفّيْه ثُمّ قالَ : هَؤُلاء فِي الجَنّة وَهَؤُلاء فِي النّار ، فأهْلُ الجَنّةِ مُيَسّرُونَ لِعَمَلِ أهْلِ الجنّةِ ، وأهْلُ النّارِ مُيَسّرُونَ لعَمَلِ أهْلِ النّارِ » .
حدثني محمد بن عوف الطائي ، قال : حدثنا حيوة ويزيد ، قالا : حدثنا بقية ، عن الزبيديّ ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الرحمن بن قتادة النضري ، عن أبيه ، عن هشام بن حكيم ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله .
حدثني أحمد بن شبويه ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا عمرو بن الحرث ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلم ، عن الزبيدي ، قال : حدثنا راشد بن سعد أن عبد الرحمن بن قتادة ، حدثه أن أباه حدثه أن هشام بن حكيم حدثه أنه قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل . . . فذكر مثله .
حدثنا محمد بن عوف ، قال : ثني أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الرحمن بن قتادة ، عن هشام بن حكيم ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
واختلف في قوله : شَهِدْنا أنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيامَةِ إنّا كُنّا عَنْ هَذَا غافِلِينَ فقال السديّ : هو خبر من الله عن نفسه وملائكته أنه جلّ ثناؤه قال هو وملائكته إذ أقرّ بنو آدم بربوبيته حين قال لهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى .
فتأويل الكلام على هذا التأويل : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّياتهم ، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى . فقال الله وملائكته : شهدنا عليكم باقراركم بأن الله ربكم كيلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين . وقد ذكرت الرواية عنه بذلك فيما مضى والخبر الاَخر الذي رُوي عن عبد الله بن عمرو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك .
وقال آخرون : ذلك خبر من الله عن قيل بعض بني آدم لبعض ، حين أشهد الله بعضهم على بعض . وقالوا : معنى قوله : وأشْهَدَهُمْ على أنْفُسِهِمْ وأشهد بعضهم على بعض بإقرارهم بذلك ، وقد ذكرت الرواية بذلك أيضا عمن قاله قبل .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان صحيحا ، ولا أعلمه صحيحا لأن الثقات الذين يعتمد على حفظهم وإتقانهم حدّثوا بهذا الحديث عن الثوري ، فوقفوه على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه ، ولم يذكروا في الحديث هذا الحرف الذي ذكره أحمد بن أبي طيبة عنه . وإن لم يكن ذلك عنه صحيحا ، فالظاهر يدلّ على أنه خبر من الله عن قيل بني آدم بعضهم لبعض ، لأنه جلّ ثناؤه قال : وأشْهَدَهُمْ على أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا فكأنه قيل : فقال الذين شهدوا على المقرّين حين أقرّوا ، فقالوا : بلى شهدنا عليكم بما أقررتم به على أنفسكم كيلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين .
وقوله تعالى : { وإذ أخذ ربك } الآية ، التقدير واذكر إذ أخذ وقوله : { من ظهورهم } قال النحاة : هو بدل اشتمال من قوله : { من بني آدم } ، وألفاظ هذه الآية تقتضي أن الأخذ إنما كان من بني آدم من ظهورهم وليس لآدم في الآية ذكر بحسب اللفظة وتواترت الأحاديث في تفسير هذه الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عباس وغيرهما أن الله عز وجل لما خلق آدم وفي بعض الروايات لما أهبط آدم إلى الأرض في دهناء من أرض السند قاله ابن عباس ، وفي بعضها أن ذلك بنعمان وهي عرفة وما يليها ، قاله أيضاً ابن عباس وغيره ، مسح على ظهره ، وفي بعض الروايات بيمينه ، وفي بعض الروايات ضرب منكبه فاستخرج منها أي من المسحة أو الضربة نسم بنيه ، ففي بعض الروايات كالَّذر ، وفي بعضها كالخردل ، وقال محمد بن كعب : إنها الأرواح جعلت لها مثالات ، وروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس وجعل الله لهم عقولاً كنملة سليمان وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا إله غيره » فأقروا بذلك والتزموه وأعلمهم أنه سيبعث الرسل إليهم مذكرة وداعية ، فشهد بعضهم على بعض ، قال أبيّ بن كعب وأشهد عليهم السماوات السبع فليس من أحد يولد إلى يوم القيامة إلا وقد أخذ عيله العهد في ذلك اليوم والمقام ، وقال السدي : أعطى الكفار العهد يومئذ كارهين على وجه التقية .
قال القاضي أبو محمد : هذه نخيلة مجموع الروايات المطولة ، وكأن ألفاظ هذه الأحاديث لا تلتئم مع ألفاظ الآية ، وقد أكثر الناس في روم الجمع بينهما فقال قوم : إن الآية مشيرة إلى هذا التناسل الذي في الدنيا ، و { آخذ } بمعنى أوجد على المعهود وأن الإشهاد هو عند بلوغ المكلف وهو قد أعطي الفهم ونصبت له هذه الصنعة الدالة على الصانع ، ونحا إلى هذا المعنى الزجّاج ، وهو معنى تحتمله الألفاظ لكن يرد عليه تفسير عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما الآية بالحديث المذكور ، وروايتهما ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وطوّل الجرجاني في هذه المسألة ومدار كلامه على أن المسح وإخراج الذرية من أظهر آدم حسب الحديث ، وقيل في الآية أخذ من ظهورهم إذ الإخراج من ظهر آدم الذي هو الأصل إخراج من ظهور بنيه الذين هم الفرع إذ الفرع والأصل شيء واحد ، إلى كلام كثير لا يثبت للنقد ، وقال غيره : إن جميع ما في الحديث من مسح بيمينه وضرب منكبه ونحو هذا إنما هي عبارة عن إيجاد ذلك النسم منه ، و «اليمين » عبارة عن القدرة أو يكون الماسح ملكاً بأمر الله عز وجل فتضمن الحديث صدر القصة وإيجاد النسم من آدم ، وهذه زيادة على ما في الآية ، ثم تضمنت الآية ما جرى بعد هذا من أخذ العهد والنسم حضور موجودون . وهي تحتمل معنيين : أحدهما أن يكون [ أخذ ] عاملاً في عهد أو ميثاق تقدره بعد قوله : { ذرياتهم } ويكون قوله { من ظهورهم } لبيان جنس البنوة ، إذ المراد من الجميع التناسل ، ويشركه في لفظة بني آدم بنوه لصلبه وبنوه بالشفقة والحنان ، ويكون قوله : { من ذرياتهم } بدلاً من { بني آدم } ، والمعنى الآخر أنه لما كانت كل نسمة هنالك لها نسبة إلى التي هي من ظهرها كأن تعيين تلك النسبة أخذ من الظهر إذ ستخرج منه فهي المستأنف ، فالمعنى : وإذ عينوا بهذه النسبة وعرفوا بها فذلك أخذ ما و { أخذ } على هذا عامل في { ذرياتهم } وليس بمعنى مسح وأوجد بل قد تقدم إيجادهم كما تقدم الحديث المذكور ، فالحديث يزيد معنى على الآية وهو ذكر آدم وأول إيجاد النسم كيف كان .
وقال الطرطوشي : إن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وهو قد نسيه إلى غير هذا مما ليس بتفسير ولا من طريقه .
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر : «ذرياتهم » جمع جمع وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي : «ذريتهم » والإفراد هنا جمع وقد تقدم القول على لفظ الذرية في سورة آل عمران .
وروي في قصص هذه الآية : أن الأنبياء عليهم السلام كانوا بين تلك النسم أمثال السرج ، وأن آدم عليه السلام رأى داود فأعجبه فقال : من هذا ؟ فقيل : نبي من ذريتك فقال : كم عمره ؟ فقيل ستون سنة ، فقال زيدوه من عمري أربعين سنة فزيدت قال : وكان عمر آدم ألفاً فلما أكمل تسعمائة وستين جاء ملك الموت فقال له آدم بقي لي أربعون سنة فرجع ملك الموت إلى ربه فأخبره فقال له قل له إنك أعطيتها لابنك داود فتوفي عليه السلام بعد أن خاصم في الأربعين ، قال الضحاك بن مزاحم : من مات صغيراً فهو على العهد الأول ومن بلغ فقد أخذه العهد الثاني يعني الذي في هذه الحياة المعقولة الآن ، وحكى الزجاج عن قوم أنهم قالوا إن هذه الآية عبارة عن أن كل نسمة إذا ولدت وبلغت فنظرها في الأدلة المنصوبة عهد عليها في أن تؤمن وتعرق وتعرف الله ، وقد تقدم ذكر هذا القول وهو قول ضعيف منكب عن الأحاديث المأثورة مطرح لها .
وقوله : { شهدنا } يحتمل أن يكون من قول بعض النسم لبعض أي شهدنا عليكم لئلا تقولوا يوم القيامة غفلنا عن معرفة الله والإيمان به فتكون مقالة من هؤلاء لهؤلاء ، ذكره الطبري ، وعلى هذا لا يحسن الوقف على قوله : { بلى } ويحتمل أن يكون قوله { شهدنا } من قول الملائكة فيحسن الوقف على قوله { بلى } ، قال السدي : المعنى قال الله وملائكته شهدنا ، ورواه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقرأ السبعة غير أبي عمرو : «أن تقولوا » على مخاطبة حاضرين ، وقرأ أبو عمرو وحده ، «أن يقولوا » على الحكاية عن غائبين وهي قراءة ابن عباس وابن جبير وابن محيصن ، والقراءتان تتفسران بحسب المعنيين المذكورين ، و { أن } في موضع نصب على تقدير مخافة أن .