الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ} (172)

قوله سبحانه : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظهورهم ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَا . . . } [ الأعراف :172 ] .

قوله : { مِن ظُهُورِهِمْ } قال النُّحاة : هو بدلُ اشتمال من قوله : { مِن بَنِي آدَمَ } ، وتواترتِ الأحاديثُ في تفسير هذه الآية عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ طُرُقٍ : " أن اللَّه عزَّ وجلَّ استخرج مِنْ ظَهْرِ آدَمَ عليه السلام نَسَمَ بنيه ، ففي بعض الروايات كالذَّرِّ ، وفي بعضها : كالخَرْدَلِ " ، وقال محمد بن كَعْب : إِنها الأرواحُ جُعلَتْ لها مِثَالاَتٌ ، وروي عن عبد اللَّه بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ : ( أُخِذُوا مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ، كَمَا يُؤْخَذُ بالمُشْطِ مِنَ الرَّأْس ، وَجَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَقُولاً كَنَمْلَةِ سُلَيْمَانَ ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ العَهْدَ بِأَنَّهُ رَبُّهُمْ ، وَأَنْ لاَ إله غَيْرُهُ ، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ ، والتزموه ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهْ سَيَبْعَثُ الرُّسْلَ إِلَيْهِمْ مُذَكِّرَةً وداعيةً ، فشهد بعضُهم على بعض ، وشهد اللَّه عليهم وملائكته ) .

قال الضحَّاك بنُ مُزَاحِمٍ : من مات صَغيراً ، فهو على العَهْدِ الأول ، ومَنْ بَلَغَ ، فقد أخذه العهدُ الثَّاني ، يعني الذِي في هذه الحياة المعقولة الآنَ .

وقوله { شَهِدْنَا } يحتملُ أن يكون مِنْ قَوْلَ بَعْضِ النَّسمِ لبعضٍ ، فلا يَحْسِنُ الوقْفُ على قوله : { بلى } ، ويحتمل أن يكون قوله : { شَهِدْنَا } من قول الملائكة ، فيحسن الوقْفُ على قوله : { بلى } .

قال السديُّ : المعنى : قال اللَّه وملائكته : شَهِدْنَا ورواه عبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم .