ثم بين - سبحانه - أنه يسلط عليهم بعد إفسادهم الأول فى الأرض ، من يقهرهم ويستبيح حرماتهم ، ويدمرهم تدميرا ، فقال - تعالى - : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } .
والمراد بالوعد : الموعد المحدد لعقابهم بسبب إفسادهم فى الأرض ، فالكلام على حذف مضاف ، والضمير فى { أولاهما } يعود على المرتين المعبر عنهما بقول : { لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ } .
وقوله { فجاسوا } ممعطوف على { بعثنا } وأصل الجوس : طلب الشئ باستقصاء واهتمام لتنفيذ ما من أجله كان الطلب .
والمعنى : فإذا حان وقت عقابكم - يابنى إسرائيل - على أولى مرتى إفسادكم بعثنا عليكم ووجهنا إليكم { عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } أى أصحاب بطش شديد فى الحروب والقتال ، فأذلوكم وقهروكم ، وفتشوا عنكم بين المساكن والديار ، لقتل من بقى منكم على قيد الحياة ، وكان البعث المذكور وما ترتب عليه من قتلكم وسلب أموالكم ، وهتك أعراضكم ، وتخريب دياركم .
. . وعدا نافذا لا مرد له ، ولا مفر لكم منه .
قال الآلوسى : واختلف فى تعيين هؤلاء العباد - الذين بعثهم الله لمعاقبة بنى إسرائيل بعد إفسادهم الأول - فعن ابن عباس وقتادة : هم جالوت وجنوده ، وقال ابن جبير وابن إسحاق : هم سنحاريب ملك بابل وجنوده . وقيل : هم العمالقة ، وقيل : بختنصر .
وسنبين رأينا فيمن سلطه الله - تعالى - عليهم فى المرتين ، بعد تفسيرنا لهذه الآيات الكريمة .
فإن قال قائل : وما فائدة أن يخبر الله - تعالى - بنى إسرائيل فى التوراة أنهم يفسدون فى الأرض مرتين . وأنه يعاقبهم على ما كان منهم من استعلاء وطغيان ، بأن يسلط عليهم من يذلهم ويقهرهم ويقضى عليهم ؟ .
فالجواب : أن إخبارهم بذلك يفيد أن الله - عز وجل - لا يظلم الناس شيئا ، وإنما يعاقبهم على ما يكون منهم من إفساد ويعفو عن كثير ، وأن رحمته مفتوحة للعصاة متى تابوا وأنابوا وأصلحوا من شأن أنفسهم .
وهناك فائدة أخرى لهذا الإِخبار ، وهو تنبيه العقلاء فى جميع الأمم أن يحذروا من مواقعة المعاصى التى تؤدى إلى الهلاك ، وأن يحذروا أممهم من ذلك ، ويبصروهم بسوء عاقبة السير فى طريق الغى ، حتى لا يعرضوا أنفسهم لعقاب الله - عز وجل - .
ومن فوائد إيراد هذا الخبر فى القرآن الكريم ، تنبيه اليهود المعاصرين للنبى صلى الله عليه وسلم ومن على شاكلتهم فى الفسوق والعصيان من المشركين ، إلى سنة من سنن الله فى خلقه ، وهى أن الإِفساد عاقبته الخسران .
فعلى اليهود وغيرهم من الناس أن يتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم الذى ثبتت نبوته ثبوتا لاشك فيه ، لكى يسعدوا فى دنياهم وآخرتهم .
( فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ، وكان وعدا مفعولا ) .
فهذه هي الأولى : يعلون في الأرض المقدسة ، ويصبح لهم فيها قوة وسلطان ، فيفسدون فيها . فيبعث الله عليهم عبادا من عباده أولي بأس شديد ، وأولي بطش وقوة ، يستبيحون الديار ، ويروحون فيها ويغدون باستهتار ، ويطأون ما فيها ومن فيها بلا تهيب )وكان وعدا مفعولا )لا يخلف ولا يكذب .
وقوله : { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا } أي : أولى الإفسادتين { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي : سلطنا عليكم جندًا من خلقنا أولي بأس شديد ، أي : قوة وعدة وسلطة{[17232]} شديدة { فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ } أي : تملكوا بلادكم وسلكوا خلال بيوتكم ، أي : بينها ووسطها ، وانصرفوا ذاهبين وجائين لا يخافون أحدا { وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا }
وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلطين عليهم : من هم ؟ فعن ابن عباس وقتادة : أنه جالوت الجَزَريّ وجنوده ، سلط عليهم أولا ثم أديلوا عليه بعد ذلك . وقتل داود جالوت ؛ ولهذا قال : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا }وعن سعيد بن جبير : أنه ملك الموصل سنجاريب وجنوده . وعنه أيضًا ، وعن غيره : أنه بختنصر ملك بابل .
وقد ذكر ابن أبي حاتم له قصة عجيبة في كيفية ترقيه من حال إلى حال ، إلى أن ملك البلاد ، وأنه كان فقيرًا مقعدًا ضعيفًا يستعطي الناس ويستطعمهم ، ثم آل به الحال إلى ما آل ، وأنه سار إلى بلاد بيت المقدس ، فقتل بها خلقًا كثيرًا من بني إسرائيل .
وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثًا أسنده عن حذيفة مرفوعًا مطولا{[17232]} وهو حديث موضوع لا محالة ، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث ! والعجب كل العجب كيف راج عليه مع إمامته وجلالة قدره ! وقد صرح شيخنا الحافظ العلامة أبو الحجاج المزي ، رحمه الله ، بأنه موضوع مكذوب ، وكتب ذلك على حاشية الكتاب .
وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية لم أر تطويل الكتاب بذكرها ؛ لأن منها ما هو موضوع ، من وضع [ بعض ]{[2]} زنادقتهم ، ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحًا ، ونحن في غُنْيَة عنها ، ولله الحمد . وفيما قص الله تعالى علينا في كتابه غنية عما سواه من بقية الكتب قبله ، ولم يحوجنا الله ولا رسوله إليهم . وقد أخبر الله تعالى أنهم لما بغوا وطغوا سلط الله عليهم عدوهم ، فاستباح بَيْضَتَهم ، وسلك خلال بيوتهم وأذلهم وقهرهم ، جزاء وفاقًا ، وما ربك بظلام للعبيد ؛ فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء .
وقد روى ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ظهر بُختنَصَّر على الشام ، فخرب بيت المقدس وقتلهم ، ثم أتى دمشق فوجد بها دمًا يغلي على كِبًا ، فسألهم : ما هذا الدم ؟ فقالوا أدركنا آباءنا على هذا ، وكلما ظهر عليه الكبا ظهر . قال : فقتل على ذلك الدم سبعين ألفًا من المسلمين وغيرهم ، فسكن{[3]} .
وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب ، وهذا هو المشهور ، وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم ، حتى إنه لم يبق من يحفظ التوراة ، وأخذ معه خلقًا منهم أسرى من أبناء الأنبياء وغيرهم ، وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها . ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه ، لجاز كتابته وروايته ، والله أعلم .
وأما قوله : فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما يعني : فإذا جاء وعد أولى المرّتين اللتين يفسدون بهما في الأرض كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما قال : إذا جاء وعد أولى تينك المرّتين اللتين قضينا إلى بني إسرائيل لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ .
وقوله : بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ ، وكانَ وَعْدا مَفْعُولاً يعني تعالى ذكره بقوله : بَعَثْنا عَلَيْكُمْ وجّهنا إليكم ، وأرسلنا عليكم عِبادا لَنا أُولي بَأْسٍ شَدِيدٍ يقول : ذوي بطش في الحروب شديد . وقوله : فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ ، وكانَ وَعدا مَفْعُولاً يقول : فتردّدوا بين الدور والمساكن ، وذهبوا وجاءوا . يقال فيه : جاس القوم بين الديار وجاسوا بمعنى واحد ، وجست أنا أجوس جوسا وجوسانا . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، رُوي الخبر عن ابن عباس :
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ قال : مشوا .
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول : معنى جاسوا : قتلوا ، ويستشهد لقوله ذلك ببيت حسان :
وَمِنّا الّذِي لاقى بسَيْفِ مُحَمّدٍ *** فَجاسَ بِهِ الأعْدَاءَ عُرْضَ العَساكِرِ
وجائز أن يكون معناه : فجاسوا خلال الديار ، فقتلوهم ذاهبين وجائين ، فيصحّ التأويلان جميعا . ويعني بقوله : وكانَ وَعْدا مَفْعُولاً وكان جوس القوم الذين نبعث عليهم خلال ديارهم وعدا من الله لهم مفعولاً ذلك لا محالة ، لأنه لا يخلف الميعاد .
ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله : أُولي بَأْسٍ شَدِيدٍ فيما كان من فعلهم في المرّة الأولى في بني إسرائيل حين بعثوا عليهم ، ومن الذين بعث عليهم في المرّة الاَخرة ، وما كان من صنعهم بهم ، فقال بعضهم : كان الذي بعث الله عليهم في المرّة الأولى جالوت ، وهو من أهل الجزيرة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثنا أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدّيارِ ، وكانَ وَعْدا مَفْعُولاً قال : بعث الله عليهم جالوت ، فجاس خلال ديارهم ، وضرب عليهم الخراج والذلّ ، فسألوا الله أن يبعث لهم ملكا يُقاتلون في سبيل الله ، فبعث الله طالوت ، فقاتلوا جالوت ، فنصر الله بني إسرائيل ، وقُتل جالوت بيدي داود ، ورجع الله إلى بني إسرائيل ملكهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، فجاسُوا خِلالَ الدّيارِ ، وكانَ وَعْدا مَفْعُولاً قضاء قضى الله على القوم كما تسمعون ، فبعث عليهم في الأولى جالوت الجزري ، فسبى وقتل ، وجاسوا خلال الديار كما قال الله ، ثم رجع القوم على دخن فيهم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : أما المرّة الأولى فسلّط الله عليهم جالوت ، حتى بعث طالوت ومعه داود ، فقتله داود .
وقال آخرون : بل بعث عليهم في المرّة الأولى سنحاريب ، وقد ذكرنا بعض قائلي ذلك فيما مضى ونذكر ما حضرنا ذكره ممن لم نذكره قبل .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي المعلى ، قال : سمعت سعيد بن جبير ، يقول في قوله : بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال : بعث الله تبارك وتعالى عليهم في المرّة الأولى سنحاريب من أهل أثور ونينوى فسألت سعيدا عنها ، فزعم أنها الموصل .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن ابن جريج ، قال : ثني يعلى بن مسلم بن سعيد بن جبير ، أنه سمعه يقول : كان رجل من بني إسرائيل يقرأ ، حتى إذا بلغ بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولي بَأْسٍ شَدِيدٍ بكى وفاضت عيناه ، وطبق المصحف ، فقال ذلك ما شاء الله من الزمان ، ثم قال : أي ربّ أرنِي هذا الرجل الذي جعلت هلاك بني إسرائيل على يديه ، فأُري في المنام مسكينا ببابل ، يقال له بختنصر ، فانطلق بمال وأعبد له ، وكان رجلاً موسرا ، فقيل له أين تريد ؟ قال : أريد التجارة ، حتى نزل دارا ببابل ، فاستكراها ليس فيها أحد غيره ، فجعل يدعو المساكين ويلطف بهم حتى لم يبق أحد ، فقال : هل بقي مسكين غيركم ؟ قالوا : نعم ، مسكين بفجّ آل فلان مريض يقال له بختنصر ، فقال لغلمته : انطلقوا ، حتى أتاه ، فقال : ما اسمك ؟ قال : بختنصر ، فقال لغلمته : احتملوه ، فنقله إليه ومرّضه حتى برأ ، فكساه وأعطاه نفقة ، ثم آذن الإسرائيلي بالرحيل ، فبكى بختنصر ، فقال الإسرائيلي : ما يبكيك ؟ قال : أبكي أنك فعلت بي ما فعلت ، ولا أجد شيئا أجزيك ، قال : بلى شيئا يسيرا ، إن ملكت أطعتني فجعل الاَخر يتبعه ويقول : تستهزىء بي ؟ ولا يمنعه أن يعطيه ما سأله ، إلاّ أنه يرى أنه يستهزىء به ، فبكى الإسرائيلي وقال : ولقد علمت ما يمنعك أن تعطيني ما سألتك ، إلاّ أن الله يريد أن ينفذ ما قد قضاه وكتب في كتابه وضرب الدهر من ضربه فقال يوما صيحون ، وهو ملك فارس ببابل : لو أنا بعثنا طليعة إلى الشام قالوا : وما ضرّك لو فعلت ؟ قال : فمن ترون ؟ قالوا : فلان ، فبعث رجلاً وأعطاه مئة ألف ، وخرج بختنصر في مطبخه ، لم يخرج إلاّ ليأكل في مطبخه فلما قدم الشام ورأى صاحب الطليعة أكثر أرض الله فرسا ورجلاً جلدا ، فكسر ذلك في ذرعه ، فلم يسأل ، قال : فجعل بختنصر يجلس مجالس أهل الشام فيقول : ما يمنعكم أن تغزوا بابل ، فلو غزوتموها ما دون بيت مالها شيء ، قالوا : لا نُحسن القتال ، قال : فلو أنكم غزوتم ، قالوا : إنا لا نحسن القتال ولا نقاتل حتى أنفذ مجالس أهل الشام ، ثم رجعوا فأخبر الطليعة ملكهم بما رأى ، وجعل بختنصر يقول لفوارس الملك : لو دعاني الملك لأخبرته غير ما أخبره فلان فرُفع ذلك إليه ، فدعاه فأخبره الخبر وقال : إن فلانا لما رأى أكثر أرض الله فرسا ورجلاً جلدا ، كبر ذلك في روعه ولم يسألهم عن شيء ، وإني لم أدع مجلسا بالشام إلاّ جالست أهله ، فقلت لهم كذا وكذا ، وقالوا لي كذا وكذا ، الذي ذكر سعيد بن جبير أنه قال لهم ، قال الطليعة لبختنصر : إنك فضحتني لك مئة ألف وتنزع عما قلت ، قال : لو أعطيتني بيت مال بابل ما نزعت ، ضرب الدهر من ضربه فقال الملك : لو بعثنا جريدة خيل إلى الشام ، فإن وجدوا مساغا ساغوا ، وإلاّ انثنوا ما قدروا عليه ، قالوا : ما ضرّك لو فعلت ؟ قال : فمن ترون ؟ قالوا : فلان ، قال : بل الرجل الذي أخبرني ما أخبرني ، فدعا بختنصر وأرسله ، وانتخب معه أربعة آلاف من فرسانهم ، فانطلقوا فجاسوا خلال الديار ، فسبوا ما شاء الله ولم يخربوا ولم يقتلوا . ومات صيحون الملك قالوا : استخلفوا رجلاً ، قالوا : على رسلكم حتى تأتي أصحابكم فإنهم فرسانكم ، لن ينقضوا عليكم شيئا ، أمهلوا فأمهلوا حتى جاء بختنصر بالسبي وما معه ، فقسمه في الناس ، فقالوا : ما رأينا أحدا أحق بالملك من هذا ، فملّكوه .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ظهر بختنصر على الشام ، فخرّب بيت المقدس وقتلهم ، ثم أتى دمشق ، فوجد بها دما يغلي على كبا : أي كناسة ، فسألهم ما هذا الدم ؟ قالوا : أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر ، قال : فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم ، فسكن .
وقال آخرون : يعني بذلك قوما من أهل فارس ، قالوا : ولم يكن في المرّة الأولى قتال . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خلالَ الدّيارِ قال : من جاءهم من فارس يتجسسون أخبارهم ، ويسمعون حديثهم ، معهم بختنصر ، فوعى أحاديثهم من بين أصحابه ، ثم رجعت فارس ولم يكن قتال ، ونُصرت عليهم بنو إسرائيل ، فهذا وعد الأولى .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولي بَأْسٍ شَدِيدٍ جند جاءهم من فارس يتجسسون أخبارهم ، ثم ذكر نحوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد فإذَا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادا لَنا أُولي بَأْسٍ شَدِيدٍ قال : ذلك أي من جاءهم من فارس ، ثم ذكر نحوه .