التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)

ثم بين - سبحانه - أن علمه محيط بهؤلاء المنافقين ، وأنهم لن يفلتوا من عقابه ، فقال : { قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين مِنكُمْ والقآئلين لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ البأس إِلاَّ قَلِيلاً } .

قال الآلوسى ما ملخصه : قال ابن السائب : الآية فى عبد الله بن أبى وأمثاله ممن رجع من المنافقين من الخندق إلى المدينة . كانوا إذا جاءهم المنافق قالوا له : ويحك اجلس ولا تخرج ، ويكتبون إلى إخوانهم فى العسكر ، أن ائتونا فإنا ننتظركم .

وكان بعضهم يقول لبعض : ما محمد وأصحابه إلا أكْلَةُ راس ، ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه ، فخلوهم .

و " قد " للتحقيق ، لأن الله - تعالى - لا يخفى عليه شئ . و " المعوقين " من العَوْق وهو المنع والصرف ، يقال : عاق فلان فلانا ، إذا صرفه عن الجهة التى يريدها .

و " من " فى قوله { مِنكُمْ } للبيان . والمراد بالأخوة : التطابق والتشابه فى الصفات الذميمة ، والاتجهات القبيحة . التى على رأسها كراهيتهم للنبى صلى الله عليه وسلم ولأصحابه .

و " هلم " اسم فعل أمر بمعنى أقبل .

والمعنى : إن الله - تعالى - لا يخفى عليه حال أولئك المنافقين . الذين يخذلون ويثبطون ويصرفون إخوانهم فى النفاق والشقاق ، عن الاشتراك مع المؤمنين ، فى حرب جيوش الأحزاب ، ويقولون لهم : { هَلُمَّ إِلَيْنَا } أى : أقبلوا نحونا ، وتعالوا إلى جوارنا ، ولا تنضموا إلى صفوف المسلمين .

وقوله - سبحانه - : { وَلاَ يَأْتُونَ البأس إِلاَّ قَلِيلاً } ذم لهم على جبنهم وخورهم .

أى : أن من صفاتهم الأصيلة أنهم جبناء ، ولا يقبلون على الحرب والقتال ، إلا إقبالا قليلا . فهم تارة يخرجون مع المؤمنين ، لإِيهامهم أنهم معهم ، أو يخرجون معهم على سبيل الرياء والطمع فى غنيمة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)

9

ثم يستطرد إلى تقرير علم الله بالمعوقين ، الذين يقعدون عن الجهاد ويدعون غيرهم إلى القعود . ويقولون لهم : ( لا مقام لكم فارجعوا ) . . ويرسم لهم صورة نفسية مبدعة . وهي - على صدقها - تثير الضحك والسخرية من هذا النموذج المكرور في الناس . صورة للجبن والانزواء ، والفزع والهلع . في ساعة الشدة . والانتفاش وسلاطة اللسان عند الرخاء . والشح على الخير والضن ببذل أي جهد فيه . والجزع والاضطراب عند توهم الخطر من بعيد . . والتعبير القرآني يرسم هذه الصورة في لمسات فنية مبدعة لا سبيل إلى استبدالها أو ترجمتها في غير سياقها المعجز :

( قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم : هلم إلينا ، ولا يأتون البأس إلا قليلا . أشحة عليكم . فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت . فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد . أشحة على الخير . أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا . يحسبون الأحزاب لم يذهبوا . وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم . ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ) . .

ويبدأ هذا النص بتقرير علم الله المؤكد بالمعوقين الذين يسعون بالتخذيل في صفوف الجماعة المسلمة . الذين يدعون إخوانهم إلى القعود ( ولا يأتون البأس إلا قليلا )ولا يشهدون الجهاد إلا لماما . فهم مكشوفون لعلم الله ، ومكرهم مكشوف .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)

يخبر تعالى عن إحاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب ، والقائلين لإخوانهم ، أي : أصحابهم{[23253]} وعُشَرائهمِ وخلطائهم { هَلُمَّ إِلَيْنَا } أي : إلى ما نحن فيه من الإقامة في الظلال والثمار ، وهم مع ذلك { لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا } .


[23253]:- في ت: "أي لأصحابهم".