التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

وقوله - تعالى - : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } إرشاد منه - سبحانه - إلى الطريقة التى ينبغى لهما أن يسلكاها فى مخاطبة فرعون .

أى : اذهبا إليه ، وادعواه إلى ترك ما هو فيه من كفر وطغيان ، وخاطباه بالقول اللين ، وبالكلام الرقيق .

فإن الكلام السهل اللطيف من شأنه أن يكسر حدة الغضب ، وأن يوقظ القلب للتذكر ، وأن يحمله على الخشية من سوء عاقبة الكفر والطغيان .

وهذا القول اللين الذى أمرهما الله - تعالى - به هنا قد جاء ما يفسره فى آيات أخرى ، وهى قوله - تعالى - : { اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى . . } فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على ألطف أساليب المخاطبة وأرقها وألينها وأحكمها .

قال ابن كثير : قوله { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً . . } هذه الآية فيها عبرة عظيمة ، وهى أن فرعون كان فى غاية العتو والاستكبار ، وموسى كان صفوة الله من خلقه إذ ذاك ، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين كما قال يزيد الوقاشى عند قراءته لهذه الآية : يا من يتحبب إلى من يعاديه ، فكيف بمن يتولاه ويناديه ؟

والحاصل أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل ، ليكون أوقع فى النفوس وأبلغ وأنجع ، كما قال - تعالى - : { ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ . . } والترجى فى قوله - تعالى - : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى } على بابه إلا أنه يعود إلى موسى وهارون .

أى : اذهبا إليه ، وألينا له القول ، وباشرا الأمر معه مباشرة من يرجو ويطمع فى نجاح سعيه ، وحسن نتيجة قوله .

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : والترجى لهما أى : اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو أن يثمر عليه فهو يجتهد بطوقه ، ويحتشد - أى - يستعد ويتأهب - بأقصى وسعه ، وجدوى إرسالهما إليه مع العلم أنه لن يؤمن ، إلزام الحجة ، وقطع المعذرة ، كما قال - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى } ويرى بعضهم أن الترجى هنا للتعليل . أى : فقولا له قولا لينا لأجل أن يتذكر أو يخشى .

قال الآلوسى : قال الفراء : " لعل " هنا بمعنى كى التعليلية . . . وعن الواقدى : أن جميع ما فى القرآن من " لعل " فإنها للتعليل ، إلا قوله - تعالى - { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } فإنها للتشبيه أى : كأنكم تخلدون .

.

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

( فقولا له قولا لينا )فالقول اللين لا يثير العزة بالإثم ؛ ولا يهيج الكبرياء الزائف الذي يعيش به الطغاة . ومن شأنه أن يوقظ القلب فيتذكر ويخشى عاقبة الطغيان .

اذهبا إليه غير يائسين من هدايته ، راجيين أن يتذكر ويخشى . فالداعية الذي ييأس من اهتداء أحد بدعوته لا يبلغها بحرارة ، ولا يثبت عليها في وجه الجحود والإنكار .

وإن الله ليعلم ما يكون من فرعون . ولكن الأخذ بالأسباب في الدعوات وغيرها لا بد منه . والله يحاسب الناس على ما يقع منهم بعد أن يقع في عالمهم . وهو عالم بأنه سيكون . فعلمه تعالى بمستقبل الحوادث كعلمه بالحاضر منها والماضي في درجة سواء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ * قَالاَ رَبّنَآ إِنّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىَ } .

يقول تعالى ذكره لموسى وهارون : فقولا لفرعون قولاً ليّنا . ذُكر أن القول اللين الذي أمرهما الله أن يقولاه له ، هو أن يكنياه .

حدثني جعفر ابن ابنة إسحاق بن يوسف الأزرق ، قال : حدثنا سعيد بن محمد الثقفي ، قال : حدثنا عليّ بن صالح ، عن السديّ : " فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيّنا " قال : كنياه .

وقوله : " لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أوْ يَخْشَى " اختلف في معنى قوله : لَعَلّهُ في هذا الموضع ، فقال بعضهم معناها ههنا الاستفهام ، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى : فقولا له قولا لينا ، فانظرا هل يتذكر ويراجع أو يخشى الله فيرتدع عن طغيانه . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أوْ يَخْشَى " يقول : هل يتذكر أو يخشى .

وقال آخرون : معنى لعلّ ههنا كي . ووجّهوا معنى الكلام إلى اذهبَا إلى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى فادعواه وعظاه ليتذكر أو يخشى ، كما يقول القائل : اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك ، بمعنى : لتأخذ أجرك ، وافرغ من عملك لعلنا نتغدّى ، بمعنى : لنتغدى ، أو حتى نتغدى ، ولكلا هذين القولين وجه حسن ، ومذهب صحيح .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

{ فقولا له قولا لينا } مثل { هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى } فإنه دعوة في صورة عرض ومشورة حذرا أن تحمله الحماقة على أن يسطو عليكما ؛ أو احتراما لما له من حق التربية عليك . وقيل كنياه وكان له ثلاث : كنى أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة . وقيل عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا يزول إلا بالموت . { لعله يتذكر أو يخشى } متعلق ب { اذهبا } أو " قولا " أي : باشرا الأمر على رجائكما . وطمعكما أنه يثمر ولا يخيب سعيكما ، فإن الراجي مجتهد والآيس متكلف ، والفائدة في إرسالهما والمبالغة عليهما في الاجتهاد مع علمه بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة وإظهار ما حدث في تضاعيف ذلك من الآيات والتذكر للمتحقق والخشية للمتوهم ، ولذلك قدم الأول أي إن لم يتحقق صدقكما ولم يتذكر فلا أقل من أن يتوهمه فيخشى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

والقول اللين قالت فرقة : معناه كنياه{[2]} وقالت فرقة بل أمرهما بتحسين الكلمة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الوجه ، وذلك أن كل من يريد دعاء إنسان إلى أمر يكرهه فإنما الوجه أن يحرر في عبارته الذي يريد حتى لا يخل به ولا يخر منه ، ثم يجتهد بعد ذلك في أن تكون عبارة لطيفة ومقابلته لينة وذلك أجلب للمراد فأمر الله تعالى موسى وهارون أن يسلكا مع فرعون إكمال الدعوة في لين من القول . وقوله { لعله } معناه على رجائكما وطمعكما فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

القول الليّنُ : الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال ، بأن يظهر المتكلّم للمخاطب أنّ له من سداد الرأي ما يتقبّل به الحق ويميّز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله .

فشبه الكلام المشتمل على المعاني الحسنة بالشيء الليّنِ .

واللين ، حقيقة من صفات الأجسام ، وهو : رطوبة ملمس الجسم وسهولة ليّه ، وضد الليّن الخشونة . ويستعار الليّن لسهولة المعاملة والصفح . وقال عمرو بن كلثوم :

فإن قناتنا يا عَمْرو أعيَت *** على الأعداءِ قبلَكَ أن تلينا

واللين من شعار الدعوة إلى الحق ، قال تعالى : { وجادلهم بالتي هي أحسن } [ النحل : 125 ] وقال : { فبما رحمة من الله لِنتَ لهم } [ آل عمران : 159 ] . ومن اللين في دعوة موسى لفرعون قوله تعالى : { فقل هل لك إلى أن تَزّكّى وأهديَك إلى ربك فتخشى } [ النازعات : 18 ، 19 ] وقوله : { والسلام على من اتبّع الهدى } [ الكهف : 47 ] ، إذ المقصود من دعوة الرسل حصول الاهتداء لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى .

فإذا لم ينفع اللين مع المدعوّ وأعرض واستكبر جاز في موعظته الإغلاظ معه ، قال تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم } [ العنكبوت : 46 ] ، وقال تعالى عن موسى : { إنّا قد أوحي إلينا أن العَذاب على من كذّب وتولّى } [ طه : 48 ] .

والتّرجي المستفاد من ( لعلّ ) إما تمثيل لشأن الله في دعوة فرعون بشأن الراجي ، وإما أن يكون إعلاماً لموسى وفرعون بأن يرجوَا ذلك ، فكان النطق بحرف الترجي على لسانهما ، كما تقول للشخص إذا أشرت عليه بشيء : فلعلّه يصادفك تيْسير ، وأنت لا تريد أنّك ترجو ذلك ولكن بطلب رجاء من المخاطب . وقد تقدمت نظائره في القرآن غير مرّة .

والتذكّر : من الذُّكر بضم الذال أي النظر ، أي لعلّه ينظر نظر المتبصّر فيعرف الحق أو يخشى حلولَ العقاب به فيُطيع عن خشية لا عن تبصر . وكان فرعون من أهل الطغيان واعتقاد أنه على الحق ، فالتذكر : أن يعرف أنه على الباطل ، والخشيةُ : أن يتردد في ذلك فيخشى أن يكون على الباطل فيحتاط لنفسه بالأخذ بما دعاه إليه موسى .

وهنا انتهى تكليم الله تعالى موسى عليه السلام .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ} (44)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لموسى وهارون: فقولا لفرعون قولاً ليّنا...

وقوله:"لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أوْ يَخْشَى" اختلف في معنى قوله: لَعَلّهُ في هذا الموضع؛ فقال بعضهم: معناها ههنا الاستفهام، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى: فقولا له قولا لينا، فانظرا هل يتذكر ويراجع، أو يخشى الله فيرتدع عن طغيانه...

وقال آخرون: معنى لعلّ ههنا: كي، ووجّهوا معنى الكلام إلى: اذهبَا إلى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى فادعواه وعظاه ليتذكر أو يخشى، كما يقول القائل: اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك، بمعنى: لتأخذ أجرك، وافرغ من عملك لعلنا نتغدّى، بمعنى: لنتغدى، أو حتى نتغدى، ولكلا هذين القولين وجه حسن، ومذهب صحيح.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 43]

{اذهبا إلى فرعون أنه طغى} {فقولا له قولا لينا} لأن القول اللين يكون أقر وأثبت في القلوب من القول الخشن البارد وخاصة في الملوك والرؤساء؛ إذ طباعهم لا تحتمل ذلك، ولا ينجع فيهم، بل أكثر صولتهم على من دونهم إنما يكون عند استقبالهم بالخلاف وبما يكرهون. فأمر عز وجل رسوليه موسى وهارون. أن يقولا له قولا لينا، ويلطفا معاملته، ليكون ذلك أقرب وأثبت في قلبه وأنجع. ولذلك قال: {لعله يتذكر أو يخشى}.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

وقال أهل المعاني: معناه الطُفا له في قولكما...

وقوله {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} أي يسلم...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إنما أمرهما بالملاينة معه في الخطاب لأنه كان أول مَنْ دَعَوْه إلى الدِّين، وفي حال الدعوة يجب اللِّين؛ فإنه وقت المُهلةِ، فلا بدَّ من الإمهال ريثما ينظر؛ قال الله لنبينا صلى الله عليه وسلم {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ} [النحل:125]: وهو الإمهال حتى ينظروا ويستدلوا...ثم إذا ظهر من الخَصمِ التمرُّدُ والإباء فحينئذٍ يُقابَلُ بالغلظة والحتف...ويقال إذا كان رفْقُه بالكفَّارِ فكيف رفقُه بالأبرار؟...وقوله: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}: أي كُونَا على رجاء أن يُؤْمِنَ. ولم يخبرهما أنه لا يؤمن لئلا تتداخَلَهُما فَتْرَةٌ في تبليغ الرسالة عِلْماً منه بأنه لا يؤمن ولا يقبل.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... والترجي لهما، أي: اذهبا على رجائكما وطمعكما، وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه. فهو يجتهد بطوقه، ويحتشد بأقصى وسعه. وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بأن لن يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والقول اللين:... أمرهما بتحسين الكلمة.

وهذا هو الوجه، وذلك أن كل من يريد دعاء إنسان إلى أمر يكرهه فإنما الوجه أن يحرر في عبارته الذي يريد حتى لا يخل به ولا يخر منه، ثم يجتهد بعد ذلك في أن تكون عبارة لطيفة ومقابلته لينة وذلك أجلب للمراد، فأمر الله تعالى موسى وهارون أن يسلكا مع فرعون إكمال الدعوة في لين من القول. وقوله {لعله} معناه على رجائكما وطمعكما، فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

لم أمر الله تعالى موسى عليه السلام باللين مع الكافر الجاحد؟ الجواب لوجهين:

...

...

...

الثاني: أن من عادة الجبابرة إذا غلظ لهم في الوعظ أن يزدادوا عتوا وتكبرا، والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر فلهذا أمر الله تعالى بالرفق.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

... هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ثم أمرهما بما ينبغي لكل آمر بالمعروف من الأخذ بالأحسن فالأحسن والأسهل فالأسهل، فقال مسبباً عن الانتهاء إليه ومعقباً: {فقولا له قولاً ليناً} لئلا يبقى له حجة، ولا يقبل له معذرة {لعله يتذكر} ما مر له من تطوير الله له في أطوار مختلفة، وحمله فيما يكره على ما لم يقدر على الخلاص منه بحيلة، فيعلم بذلك أن الله ربه، وأنه قادر على ما يريد منه، فيرجع عن غيّه فيؤمن {أو يخشى} أي أو يصل إلى حال من يخاف عاقبة قولكما لتوهم الصدق فيكون قولكما تذكرة له فيرسل معكما بني إسرائيل، ومعنى الترجي أن يكون حاله حال من يرجى منه ذلك، لأنها من ثمرة اللين في الدعاء، جرى الكلام في هذا وأمثاله على ما يتعارفه العباد في محاوراتهم، وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون، فالمراد: اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما ومبلغكما من العلم، وليس لهما أكثر من ذا ما لم يعلما، وأما علمه تعالى فقد أتى من وراء ما يكون...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فالقول اللين لا يثير العزة بالإثم؛ ولا يهيج الكبرياء الزائف الذي يعيش به الطغاة. ومن شأنه أن يوقظ القلب فيتذكر ويخشى عاقبة الطغيان. اذهبا إليه غير يائسين من هدايته، راجيين أن يتذكر ويخشى. فالداعية الذي ييأس من اهتداء أحد بدعوته لا يبلغها بحرارة، ولا يثبت عليها في وجه الجحود والإنكار. وإن الله ليعلم ما يكون من فرعون. ولكن الأخذ بالأسباب في الدعوات وغيرها لا بد منه. والله يحاسب الناس على ما يقع منهم بعد أن يقع في عالمهم. وهو عالم بأنه سيكون. فعلمه تعالى بمستقبل الحوادث كعلمه بالحاضر منها والماضي في درجة سواء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

القول الليّنُ: الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال، بأن يظهر المتكلّم للمخاطب أنّ له من سداد الرأي ما يتقبّل به الحق ويميّز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله...واللين من شعار الدعوة إلى الحق، قال تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125]...فإذا لم ينفع اللين مع المدعوّ وأعرض واستكبر جاز في موعظته الإغلاظ معه...والتذكّر: من الذُّكر بضم الذال أي النظر، أي لعلّه ينظر نظر المتبصّر فيعرف الحق أو يخشى حلولَ العقاب به فيُطيع عن خشية لا عن تبصر...، والخشيةُ: أن يتردد في ذلك فيخشى أن يكون على الباطل فيحتاط لنفسه بالأخذ بما دعاه إليه موسى.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... هذا لفرعون بعد أن طغى، ومن الذي حكم عليه بالطغيان.؟ حين تحكم أنت عليه بالطغيان فهو طغيان يناسب قدرات وإمكانات البشر، أما أن يقول عنه الحق تبارك وتعالى: {إنه طغى} فلا بد أنه تجاوز كل الحدود، وبلغ قمة الطغيان، فربنا هو الذي يقول. فقوله: {فقولا له قولا لينا}: فلا بد أن تعطيه فسحة كي يرى حججك وآياتك، ولا تبادره بعنف وغلظة، وقالوا: النصح ثقيل، فلا ترسله جبلا، ولا تجعله جدلا، ولا تجمع على المنصوح شدتين: أن تخرجه مما ألف بما يكره، بل تخرجه مما ألف بما يحب. وهذا منهج في الدعوة واضح وثابت، كما في قوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.. (125)} (النحل). لأنه تخلعه مما اعتاد وألف، وتخرجه عما أحب من حرية واستهتار في الشهوات والملذات، ثم تقيده بالمنهج، فليكن ذلك برفق ولطف. وهذه سياسة يستخدمها البشر الآن في مجال الدواء، فبعد أن كان الدواء مرا يعافه المرضى، توصلوا الآن إلى برشمة الدواء المر وتغليفه بطبقة حلوة المذاق حتى تتم عملية البلع، ويتجاوز الدواء منطقة المذاق. وكذلك الحال في مرارة الحق والنصيحة، عليك أن تغلفها بالقول اللين اللطيف.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ثمّ بيّنت الآية طريقة التعامل المؤثّرة مع فرعون، فمن أجل أن تنفذا إليه وتؤثرا فيه (فقولا له قولا ليّناً لعلّه يتذكّر أو يخشى) والفرق بين «يتذكّر» و «يخشى» هنا هو أنّكما إذا واجهتماه بكلام لطيف، رقيق، ملائم، وتبيّنان في الوقت ذاته المطالب بصراحة وحزم، فيحصل أحد الاحتمالين: أن يقبل من صميم قلبه أدلتكما المنطقيّة ويؤمن، والاحتمال الآخر هو أن يخاف على الأقل من العقاب الإلهي في الدنيا أو الآخرة، ومن زوال ملكه وقدرته، فيذعن ويسلم ولا يخالفكما. ويوجد احتمال ثالث أيضاً، وهو أنّه لا يتذكّر ولا يخشى، بل سيستمر في طريق المخالفة والمجابهة، وقد اُشير إلى ذلك بكلمة «لعلّ» وفي هذه الصورة فإنّ الحجّة قد تمّت عليه، وعلى كلّ حال فإنّ القيام بهذا العمل لا يخلو من فائدة. لا شكّ أنّ الله تعالى يعلم عاقبة عمله، إلاّ أنّ التعبيرات المذكورة آنفاً درس لموسى وهارون وكلّ المصلحين والمرشدين إلى طريق الله.